أشعب والطّعام

دعى
أحد إخوان أشعب عليه ليأكل عنده، فقال: "إنّي أخاف من ثقيل يأكل معنا
فينغصّ لذّتنا". فقال: "ليس عندي إلا ما تحبّ"، فمضى معه، فبينما هما
يأكلان، إذا بالباب يطرق. فقال أشعب: "ما أرانا إلا صرنا لما نكره"، فقال
صاحب المنزل: "إنّه صديق لي، وفيه عشر خصال، إن كرهت منها واحدة لم آذن
له"، فقال أشعب: "هاتِ"، قال: "أوّلها أنّه لا يأكل ولا يشرب"، فقال:
"التّسع لك ودعه يدخل، فقد أمنّا منه ما نخافه".
بينما
قوم جلوس عند رجل ثريّ يأكلون سمكاً، إذ استأذن عليهم أشعب، فقال أحدهم:
"إنّ من عادة أشعب الجلوس إلى أعظم الطّعام وأفضله، فخذوا كبار السّمك
واجعلوها في قصعة في ناحيته، لئلا يأكلها أشعب"، ففعلوا ذلك، ثمّ أذنوا له
بالدخول، وقالوا له: "كيف تقول، وما رأيك في السّمك؟"، فقال: "والله إنّي
لأبغضه بغضاً شديداً، لأنّ أبي مات في البحر، وأكله السّمك، فقالوا: "إذاً
هيّا للأخذ بثأر أبيك!"، فجلس إلى المائدة ومدّ يده إلى سمكة صغيرة من التي
أبقوها بعد إخفاء الكبار، ثمّ وضعها عند أذنه، وراح ينظر إلى حيث القصعة
التي فيها السّمك الكبير - حيث لاحظ بذكاء ما دبّر القوم له - ثمّ قال:
"أتدرون ما تقول هذه السّمكة؟"، قالوا: "لا ندري!"، قال:" إنّها تقول إنّها
صغيرة لم تحضر موت أبي، ولم تشارك في التهامه، ثمّ قالت: عليك بتلك
الأسماك الكبيرة التي في القصعة، فهي التي أدركت أباك وأكلته، فإنّ ثأرك
عندها! ".
الملك الحائر
كان
أحـد الملوك القدماء سميناً، كثير الشّحم واللحم، ويعاني الأمرّين من
زيادة وزنه، فجمع الحكماء لكي يجدوا له حلاً لمشكلته، ويخفّفوا عنه قليلاً
من شحمه ولحمه. لكنّم لم يقدروا على فعل أيّ شيء. فجاء رجل عاقل لبيب
متطبّب، فال له الملك: "عالجني، ولك الغنى". قال: "أصلح الله الملك، أنا
طبيب منجّم، دعني حتّى أنظر الليلة في طالعك، لأرى أيّ دواء يوافقه". فلمّا
أصبح طلب من الملك الأمان، فلمّا أمّنه قال: "رأيت طالعك يدلّ على أنّه لم
يبق من عمرك غير شهر واحد، فإن اخترت عالجتك، وإن أردت التّأكد من صدق
كلامي فاحبسني عندك، فإن كان لقولي حقيقة فخلّ عنّي، وإلا فاقتصّ مني".
فحبسه،
ثمّ احتجب الملك عن النّاس وخلا وحده مغتمّأً، فكلما انسلخ يومٌ ازداد
همّاً وغمّاً، حتّى هزل وخفّ لحمه، ومضى لذلك 28 يوماً، فأخرجه وقال ما
ترى؟ فقال الطبيب: "أعزّ الله الملك أنا أهون على الله من أن أعلم الغيب،
والله إنّي لا أعلم عمري، فكيف أعلم عمرك! ولكن لم يكن عندي دواء إلا الغم،
فلم أقدر أن أجلب إليك الغمّ إلا بهذه الحيلة، فإنّ الغمّ يذيب الشّحم!"،
فأجازه الملك على ذلك، وأحسن إليه غاية الإحسان، وذاق الملك حلاوة الفرح
بعد مرارة الغمّ.
ما رأيت شيطاناً في حياتي
كان
الجاحظ واقفاً أمام بيته، فمرّت قربه امرأة حسناء، فابتسمت له، وقالت: "لي
إليك حاجة". فقال الجاحظ: "وما حاجتك؟"، قالت: "أريدك أن تذهب معي"، قال:
"إلى أين؟"، قالت: "اتبعني دون سؤال". فتبعها الجاحظ، إلى أن وصلا إلى دكان
صائغ، وهناك قالت المرأة للصائغ: "مثل ها!"، ثمّ انصرفت. عندئذ سأل الجاحظ
الصائغ عن معنى ما قالته المرأة، فقال له:" لا مؤاخذة يا سيّدي! لقد أتتني
المرأة بخاتم، وطلبت منّي أن أنقش عليه صورة شيطان، فقلت لها: ما رأيت
شيطاناً قطّ في حياتي، فأتت بك إلى هنا لظنّها أنّك تشبهه!".