الإمبراطور العاري - جنتنا

شاهد ايضا ::

الإمبراطور العاري


الملك العاري 
يُحكي أن في زمن بعيد كان يعيش إمبراطور يهتم بمظهره بشدة وينفق كل أمواله على شراء 
ملابس جديدة وارتدائها كل يوم, وكان يهوى استعراض ملابسه الفاخرة دائمًا أمام الناس.
في أحد الأيام ذهب اثنان من الدجالين للإمبراطور واستطاعا إقناعه أنهما سوف ينسجان له ثياب جديدة مصنوعة من قماش سحري لن يراه إلا الأذكياء ومن يستحقون البقاء في مناصبهم.
 وافق الإمبراطور على اقتراحهما وأعطاهما مالاً وفيراً لنسج الثياب الجديدة.
 تظاهر الدجالين بنسج الثياب رغم أنهما لا يفعلان شيئا.
 قاما بوضع الثياب الخيالية فوق جسد الإمبراطور العاري ثم سألاه عن رأيه, رغم أن الإمبراطور لم يرَ شيئاَ يغطي جسده إلا انه رفض الاعتراف بذلك حتى لا يبدو أنه غبي أو غير صالح لمنصبه , استدعي الامبراطور وزيره  وبعض من أعوانه ليعرف رأيهم في ثيابه. اتفق الجميع على التظاهر بالإعجاب بثياب الإمبراطور الجديدة رغم أنهم يدركون أنه عار من الثياب حتى يبعدون عن أنفسهم تهمة الغباء ويثبتون ولائهم وإخلاصهم للإمبراطور.
قرر الإمبراطور أن يستعرض ثيابه الجديدة في موكب أمام عامة الشعب, تظاهر الحراس بأنهم يحملون أطراف ثياب الإمبراطور رغم أنهم لا يحملون شيئاً, عندما رآه الناس تظاهروا بالإعجاب بثيابه الفاخرة خوفا من أن يُتهموا بالغباء أو عدم الصلاحية لوظائفهم.
 ظهر فجأة طفل في الشارع وأشار للإمبراطور صائحاً " ولكنه عار من الثياب تماما ", كلام الطفل حرر العامة من خوفهم, أخذوا يتهامسون ثم سرعان ما رددوا جميعا " إنه عار من الثياب " . استولى الحرج على الامبراطور لأنه أدرك  أن الشعب على حق ولكنه استمر في السير في الموكب حفاظا على كبريائه.
هذه القصة الشهيرة تُدعى ثياب الإمبراطور الجديدة, وهي من تأليف الأديب الهولندي الكبير هانز كريستيان اندرسون. رغم أن تلك القصة الخيالية المضحكة موجهة أساساً للأطفال إلا أنها تحمل في طياتها سخرية سياسية مبطنة, لذلك يتم استخدامها في الكتب والمقالات كمثال لإظهار سيئات الحكم الديكتاتوري المطلق.
ما أكثر الحكام  الذين يشبهون شخصية الإمبراطور العاري في القصة, إنهم يتربعون على رأس السلطة ويتحكمون في مصائر الناس رغم أنهم لا يملكون أي قدرات إلا في الغرور والاستعراض, تراهم يتخبطون في قرارتهم, يعجزون عن إدارة الدولة, يأخذون من المال العام لينفقوه على أنفسهم من أجل التباهي والتظاهر, وعندما يطلون على الشعب يتفوهون بالهُراء وهم يحسبون أنهم يقولون دررًا ويحسنون صنعًا, لكنهم لا يجدون من يعترف لهم  بالحقيقة ويخبرهم أنهم عراة .
الوزراء والأعوان المحيطون بهم يستفيدون من غرورهم ويوظفونه لصالحهم. يضحكون أمامهم ثم يضحكون عليهم من خلفهم, ينافقونهم ويتزلفون إليهم حفاظاً على مناصبهم. أما عامة الناس فهم على استعداد لتكذيب عيونهم وإنكار عري حكامهم لأن الاستبداد يزرع بداخلهم ذعر ورهبة من الحكام تجعلهم يضعونه فوق مرتبة البشر ويؤمنون أنه فوق الخطأ والمحاسبة.
 عندما يظهر طفل برئ ليشير أن الحاكم لا يرتدي  ثياب لا يتلقى التأييد من الناس كما حدث في القصة , بل للأسف يتلقى الشتائم واللعنات, وربما يتم اعتقاله وسجنه والتنكيل به حتى يكون عبرة لمن يفكر في الخروج عن القطيع.
 تلتوي فطرة الناس تدريجياً و تنقلب المعايير والقيم في نفوسهم, يصير الباطل هو الحق والضحية مجرم والشجاع متهور والجبان حذر, يظل الحاكم العاري مقتنعاً أنه يرتدي ثياباً سحرية ويظل أعوانه ملتفين حوله يقدمون لهم فروض الطاعة ويبالغون في تملقه حتى يقنعوه أنه صاحب حكمة فريدة ورؤية ثاقبة في إدارة الدولة. حماقته وغروره تجعله يتخذ قرارات كارثية تتسبب في تدهور حال دولته وفي سقوطه من أعين العامة, تسطع شمس الحقيقة التي تورات طويلا خلف غيوم الكذب والزيف, تسقط ورقة التوت التي كان الحاكم المغرور يتوارى خلفها وتنكشف عورته أمام الناس, يأتي طفل جديد لكي يشير إلى عريه, هذه المرة يلقى التأييد من الناس الذين صاروا على استعداد لرؤية الحاكم على حقيقته بعد أن فقد قدرته على إرهابهم وتخويفهم .
عندما يدرك الإمبراطور العاري أن الشعب رآه على حقيقته يستولي عليه الخوف ويشعر أن ساعته قد حانت, لكن كبريائه يمنعه من إظهار خوفه, وبدلا من أن يسارع في الاختباء والاختفاء  يصر على الاستمرار في الحكم بكل تكبر لكي يحافظ على ما تبقى من ماء وجهه .
 مكابرة الحاكم وإصراره على البقاء في منصبه بعد أن فقد شرعيته في الحكم تثير الغضب والسخرية في نفوس الناس. 
يظل الحاكم المغرور رافضًا إدراك حقيقة انه صار مرفوضا من الشعب, يصبح مثل الممثل الفاشل الذي يتمسك بالوقوف على خشبة المسرح رغما عن أنف المتفرجين. يلقى الحاكم العاري مصيرا مأساويا ويتم الإطاحة به من حاشيته التي تدرك أنه صار عبئاً عليها ولابد التخلص منه بأي طريقة, يفرح الشعب لرحيل حاكمهم الأحمق المغرور ومجيء حاكم جديد يبدو عليه سمات الذكاء والنباهة.
يعتقدون أن حاكمهم الجديد سيتعلم من سلفه وسيكون أكثر حكمة وتواضعاً.
لكن للأسف يقع الحاكم الجديد في نفس الفخ الذي وقع فيه الحاكم القديم وتسارع نفس الحاشية القديمة للالتفاف حوله لتغذية غروره والاستفادة منه  لجني المزيد من المكاسب, بالتدريج يفقد الحاكم الجديد اتصاله بالواقع ويتحول إلى نسخة جديدة من الحاكم القديم وربما يصير أسوأ منه, تتكرر قصة الإمبراطور العاري المضحكة  بشكل جديد, وهكذا يظل التاريخ يكرر نفسه إلى أن يتعلم البشر من أخطائهم ويتمكنون من بناء واقع جديد أفضل يعيش فيه البشر دون خوف, ودون الحاجة لمخالفة ضمائرهم إرضاء لأصحاب السلطة.  

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف