مسألة المادة المظلمة the dark matter
هي من بين أكثر الأشياء المبهمة في الفيزياء الحديثة , فوفقاً لإفتراضات
العلماء , فتلك المادة الغير مرئية أكثر إنتشاراً بخمس مرات من المادة
العادية في الكون ( المادة التي شكلت كل شيء في الكون الأرض والنجوم ..
ونحن أيضاً ) , كما أن طبيعة تلك المادة المظلمة غير معروفة .
ولا يجب هنا أن نخلط بين مفهوم الطاقة المظلمة والمادة المظلمة , فالطاقة المظلمة تُشكّل 68% من الكون , بينما , تشكل المادة المظلمة حوالي 27% من الكون.
وجدير بالذكر هنا .. أن أي حقيقة عن الكون تنبع من نظرية الإنفجار الكبير
الشهيرة Big Bang , حيث أن هذه النظرية مبنية على فكرة أن الكون منذ
نشأته يتمدد , وهو في حالة توسع مستمر , وقد تكون الكون تبعاً لتلك النظرية
منذ حوالي 13,8 مليار سنة بعد إنفجار عنيف .
وعندما بدأ الكون يبرد تدريجياً فإن
مليارات البروتونات والنيترونات والفوتونات والإلكترونات التي نتجت هذا
الإنفجار , بدأت في الإتحاد لتكوين الهيدروجي والهيليوم , ثم , تجمعت ذرات
الهيدروجين والهيليوم , لتشكيل السحب العملاقة التي بدورها شكلت المجرات ,
وخلال هذه الفترة , تم تشكيل بعض النجوم الأولى , ومع تقدم الكون في العمر ,
تشكلت الكواكب وبقية المجرات , حتى أصبح الكون كما نراه اليوم .
ما هي المادة المظلمة ؟
- هل تسآءلت يوماً .. لماذا لا تتحرك الأرض بعيداً عن مدارها وتتجول بحرية في الكون ؟
أو لماذا لا تتجزأ المجرات ؟
خلق الله كل شيء لغاية معينة , وخلق
المادة المظلمة كذلك لحكمة عظيمة , وهي منع الإصطدامات والكوارث الكونية ,
فالكون يتوسع نعم ! , ولكنه متماسكاً معاً من الداخل بفضل مادة مظلمة غير
مرئية تعمل كالغراء بين أجزاء الكون الواسع .
لا يزال هناك العديد من الأسرار التي
تتعلق بالمادة المظلمة التي تحتاج للكشف عنها , ولكن علماء الفلك
والفيزيائيين قد جمعوا أدلة حول وجودها في الآونة الأخيرة , فقد إلتقط
تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا أكثر من مليون مجموعة من النجوم الكونية
التي تتحرك سوية في مركز مجموعة ضخمة من المجرات تُسمى ( أيبل 1689 ) , مما قدم أدلة عن وجود مادة مظلمة تربط تلك النجوم معاً .
حتى هذه اللحظة , هناك العديد من التجارب والابحاث التي تبحث في وجود المادة المظلمة , ولكن العلماء إكتشفوا وجودها منذ عقود طويلة .
ففي ثلاثينيات القرن العشرين , كان عالم الفيزياء الفلكية فريتز زويكي Fritz Zwicky يراقب حركة المجرات التي تُشكّل عنقود كوما المجري
- وهي مجموعة تضم أكثر من 1000 مجرة تقع على بعد 300 مليون سنة ضوئية من
الارض , وقد قدّر زويكي كتلة هذه المجرات إستناداً إلى الضوء الذي ينبعث
منها , ولكن فوجيء بإنه إذا كان تقديره هذا لكتلة المجرات صحيحاً ,
فبالنسبة لسرعتها لابد أن تنفصل تلك المجرات عن بعضها وتتحرك بحرية في
الكون , ولكن هذا لا يحدث !
فحقيقة الامر , تحتاج تلك المجرات إلى
حوالي 400 مرة على الأقل مثل كتلتها التي إحتسبها زوريكي , حتى تستطيع
التماسك معاً , ولذا إفترض فريتز زوريكي وجود شيء غامض غير مرئي يفسر تلك
الكتلة المفقودة .
تم تجاهل فكرة وجود المادة المظلمة إلى حد كبير حتى فترة السبعينيات , وذلك حتى رأت عالمة الفلك فيرا روبن , شيئاً جعلها تفكر في وجودها .
فيرا كنت تدرس سرعة النجوم التي تتحرك حول مركز مجرة أندروميدا
المجاروة , وتوقعت أن النجوم الواقعة على حافة المجرة ستتحرك ببطء أكثر من
النجوم الموجود في مركزها , وذلك بسبب قرب تلك النجوم من المركز حيث تزداد
قوة الجاذبية .
ولكنها وجدت أن النجوم الموجودة على
الحافة وتلك الواقعة في مركز المجرة , كلاهما يتحركان بالسرعة ذاتها ,
وإعتقدت أن الأمر غير منطقي إلا إذا كان قرص تلك النجوم المرئية محاطاً
بهالة أكبر حجماً لا تستطيع رؤيتها .. وقد يبدو ان هذه الهالة سببها وجود المادة المظلمة .
ومنذ ذلك الوقت , إكدت ملاحظات فلكية
لكثير من العلماء أن شيئًا غريباً يحدث مع الطريقة التي تتحرك بها المجرت
والضوء عبر الفضاء , وعلى الرغم من إعتقاد البعض أن ذلك يحدث نتيجة خلل في
فهمنا للجاذبية , إلا أن آثار وجود المادة المظلمة ظهرت واضحة للكثيرين .
وإليكم بعض الحقائق عن المادة المظلمة :
- المادة المظلمة ليست مكونة من الباريونات , فهي على عكس المادة العادية , تتكون من مزيج من البروتونات والنيترونات , كما أنها لا تتفاعل مع القوى الكهرومغناطيسية , ولا يمكنها إمتصاص الضوء أو عكسه , ولا يستطيع الضوء العبور خلالها كبقية المواد العادية , ولكن الطريقة الوحيدة لرؤية المادة المظلمة هي عن طريق ملاحظة آثار الجاذبية على المواد المرئية الأخرى في الكون , فكان من الغريب بالنسبة للعلماء عدم حدوث تصادم بي مجرتين مثلاً أو إندماج مجرتين معاً دون حدوث تصادمات بين النجوم , وهذا يعني أن هناك حقل جاذبية غير مرئي يتحكم في نجوم هذه المجرات بحيث لا تصطدم ببعضها .
- يان أورت Jan Oort , هو عالم فلك هولندي , وكن أول من إكتشف وجود المادة المظلمة , وذلك في عام 1932 , أثناء دراسته للحركات النجمية في المجرات القريبة , وقد وجد أورت أن تلك المادة المعتمة هي أقل حجماً من المجرات .
- هالة المادة المظلمة تحيط بالمجرة بأكملها وتمتد إل الى بعد حوافها , فمجرة درب التبانة تُغلّف بهالة للمادة المظلمة أكبر من المجرة نفسها , وهي كروية الشكل أيضاً .
- يستخدم العلماء عدسات الجاذبية للكشف عن المادة المظلمة في الكون , فجاذبية المادة المظلمة هي المسؤولة عن إنحناء الضوء من مصادره البعيدة , ويتحقق العلماء من ذلك عند غياب المادة المرئية للإستدلال على وجود المادة المظلمة .
- الدراسات والملاحظات الحديثة تشير إلى ان المادة المظلمة هي مزيجاً من مادة ساخنة وباردة , ودرجة الحرارة في المادة المظلمة هي التي تحدد سرعة الجسيمات , فتتحرك الجسيمات الساخة تقريباً بسرعة الضوء , كما هو الحال مع النيترونات وهي جسيمات دون ذرية ضعيفة التفاعل ولا تحمل شحنة كهربائية , وبالتالي لا تتأثر بالقوى الكهرومغناطيسية , ومن ناحية أخرى , فإن الجسيمات الباردة أبطأ بكثير من الجسيمات الساخنة , ومن المفترض أن يكون لها كتلة منخفضة جداً , ويمكن أن تكون عنصراً مكوناً للمادة المظلمة الباردة .
- المادة المظلمة , هي
قوى غريبة وغامضة , ومازال العلماء في مرحلة كتابة السطور الأولى في تلك
المسألة , ولكن ربما قريباً جداً قد يجدوا الإجابات عن كثير من التساؤلات
المتعلقة بتلك المادة التي تجعل كونناً كما نراه
إرسال تعليق