
وقال الكسيح : بلى ، ولكن أعمل معى معروفا، وخذنى إلى ساحة المدينة ، فأجابه الى طلبه ، وأردفه خلفه، وفى الساحة رفض الكسيح النزول عن ظهر الجواد.
فنهره التاجر قائلا: ما الذى يجلسك ؟ هيا انزل ، لقد وصلنا.
قال الكسيح: ولم النزول والجواد ملكى؟
وعندما اشتد بينهما النقاش ، تجمع الناس حولهما، واقترحوا عليهما الذهاب الى القاضى.
مضى الاثنان إلى القاضى، وكان الناس متجمعين فى المحكمة، والحاجب ينادى على المتخاصمين حسب الدور، فاستدعى القاضى نجارا وسمانا ، كانا يتنازعان نقودا بيد النجار.
قال النجار : اشتريت من هذا سمنا، وعندما أخرجت محفظتى لأنقده الثمن ، أختطفها من يدى محاولا انتزاع النقود ، وهكذا جئنا اليك ، يده على يدى ومحفظتى ، ولكن النقود نقودى.
أما السمان فقال : هذا كذب. جاء النجار إلى ليشترى سمنا ، وبعد ان ملأت له إبريقا كاملا، طلب منى أن أفك له قطعة ذهبية ، فأخرجت المحفظة ، ووضعتها على الطاولة فأخذها وأراد الهرب، فامسكت به من يده ، وجئت به إلى هنا.
صمت القاضى ، ثم قال : اتركا النقود هنا واحضرا غدا.
وعندما حان دور التاجر والكسيح، قص التاجر ما حدث ، ثم أشار القاضى للكسيح أن يأتى بحجته.
قال الكسيح هذا كذب كله ، كنت ممتطيا جوادى فى ساحة المدينة ، أما هو فقد كان جالسا على الأرض فطلب منى أن أحمله، فسمحت له بركوب الجواد ، ونقلته الى المكان الذى يرغب ، ولكنه لم يرد النزول ، وادعى ملكيته للجواد ، فكر القاضى ، ثم قال : اتركا الجواد عندى ، واحضرا غدا. فى اليوم التالى اجتمع المتخاصمون للاستماع إلى حكم القاضى ،
فتقدم النجار والسمان أولا لمعرفة الحكم قال القاضى للنجار : النقود ملكك ، ثم أشار الى السمان قائلا : أما هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة .
ثم استدعى الحاجب التاجر والكسيح ، فوقفا بين يدى القاضى لسماع الحكم.
فسأل القاضى التاجر : هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين جوادا؟
قال التاجر : نعم
فسأل القاضى للكسيح : وأنت ؟
فقال الكسيح : نعم
ثم أخذهما القاضى الى الاسطبل ، فأشار التاجر فى الحال إلى جواده وقد ميزه من بين عشرين جوادا، وكذلك تعرف الكسيح على الجواد .
عاد القاضى إلى مكانه، وقال للتاجر : الجواد جوادك فخذه ، أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
بعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضى إلى بيته . فسار التاجر خلفه . فالتفت القاضى إليه وسأله: ما الذى تريده؟ أم انك غير راض عن قرارى ؟
أجاب التاجر: بلى ، ولكنى أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك النجار وليست للسمان ، وأن الجواد لى ، وليس للكسيح؟
قال القاضى : أما أمر النجار والسمان ، فقد وضعت النقود فى قدح ماء ، ثم نظرت اليوم صباحا الى القدح لأرى ما اذا كان السمن طافيا على سطح الماء، فلو كانت النقود عائدة للسمان ، لكانت ملوثة بيديه الدسمتين ، ولطفا السمن فى القدح ، وأما معرفة مالك الجواد
فكانت أصعب ، فالكسيح أشار مثلك فى الحال الى الجواد من بين عشرين جوادا ، ولكننى لم اقدكما إلى الإسطبل لأرى ما اذا كنتما ستتعرفان على الجواد : بل لأرى ايكما سيتعرف عليه الجواد ، عندما اقتربت أنت منه التفت برأسه ، ومده إليك ، وعندما اقترب الكسيح إليه رفع أذنيه وقائمته مستنكرا ، وهكذا عرفت أنك صاحب الجواد.
فقال التاجر آنذاك: أنا لست تاجر، بل أنا أمير البلاد جئت إلى هنا لأعرف حقيقة مايقال عنك . وها أنا أرى الان أنك قاض حكيم ، فاطلب منى ماشئت لأكافئك به.
قال القاضى: شكرا لك أيها الأمير، فأنا لاأحتاج مكافأة على أداء عملى بصدق وإخلاص
إرسال تعليق