-->

القصة الحقيقية لحالة " بنجامين بوتون " المحيّرة

القصة الحقيقية لحالة " بنجامين بوتون " المحيّرة
- بالطبع معظمنا يعلم عن فيلم " حالة بنجامين بوتون المحيرة " The Curious Case of Benjamin " , والمأخوذ عن قصة قصيرة تحمل نفس الإسم .. والذي يحكي عن قصة طفل رضيع يولد في سن الثمانين ويحمل جسدياً كل صفات الشيخوخة إلا أن عقله عقل طفل رضيع , ولكنه يبدأ في النمو عكسياً ليعود صغيراً .. حتى يصل إلى مرحلة الرضيع في نهاية المطاف ويموت .


- هذه القصة الخيالية .. ليست خيالية تماماً .. فربما لم يفهم العلم تلك الحالة الغير طبيعية حتى الآن , ولكن كانت هناك حالات تبدو تماماً مثل قصة " بنجامين بوتون " تعيش أو عاشت في هذا العالم الحقيقي .. وسنقدم بعضاً منها في إطار علمي ..

الحالة الأولى : البالغين الطفلين 


- مرض النمو العكسي , دمر حياة زوج من الأخوة في منتصف العمر , حيث أن " مايكل كلارك " ( 42 عاماً ) , والذي كان يعمل كجندي في سلاح الجو الملكي البريطاني , أصبح قابعاً في المنزل بلا عمل , ويتصرف كما لو أنه في العاشرة من العمر , في حين أن أخيه " ماثيو " البالغ من العمر 39 عاماً , قد فقد وظيفته كعامل مصنع , وبدأ يتصرف وكأنه طفل صغير , على الرغم من أنه أباً لفتاة تبلغ من العمر 19 عاماً تدعى "ليديا " , وتنتظر مولوداً .


 القصة الحقيقية لحالة " بنجامين بوتون " المحيّرة


- هذان الأخان يقضون أوقاتهم في مشاهدة حلقات السنافر , وتناول رقائق البطاطا , ولعب السلم والثعبان !

- قال والدهما " أنتوني "( 63 عاماً ) , والذي يرعى الأخين مع زوجته "كريستين" (61 عاماً  .." لقد تحولا من كونهما بالغين لديهم عائلات ووظائف إلى حالة الطفولة مرة أخرى , فماثيو خرج في يوم ما ليشتري لعبة قطار لنفسه , ولعبة السيد بطاطس , ثم بدأ يهتم بما يهتم به الصغار ,  وفي اليوم الآخر رأي مايكل بالوناً وأشار إليها , كما أنهم أحياناً يعانان من نوبات غضب كالأطفال ويبدأن في الصراخ بلا توقف , ويصعب السيطرة عليهما " .

- بدأ الأخان بالتصرف بهذا الشكل الغريب بعد تقاعد والداهم وإنتقالهم إلى أسبانيا عام 2007 , ولكن وصلت الأمور إلى ذروتها حينما طردت مدفعية السلاح الملكي البريطانية " مايكل " من مكان معيشته وإضطر إلى النوم ثلاثة أسابيع في العراء , فقام العمال بالجيش بإرساله إلى طبيب والذي شخّص إصابته بمرض " حثل المادة البيضاء "  leukodystrophy , وهو مجموعة من الاضطرابات التي تتميز بالتنكس المترقي للمادة البيضاء في الدماغ. وهي ناجمة عن خلل في نمو غشاء الميلين( النخاعين) , و العرض الأكثر شيوعاً هو الانحطاط التدريجي للرضيع أو الطفل، الذي كان يبدو جيداً. وقد يبدو الانحطاط المترقي في توتر الجسم والحركة والمشية والكلام والقدرة على الأكل ، والرؤيا، والسمع، والسلوك. وهناك تباطئ في التطور العقلي والجسمي.

وبعد ذلك تم إكتشاف أن ماثيو يعاني من نفس المرض المدمر , وعلى الرغم من أن هذا المرض يؤثر غالباً على حديثي الولادة إلا أنه أصاب 100 من البالغين في بريطانيا .


- ماثيو ومايكل , فقدا تدريجياً القدرة على الكلام , والآن غير قادرين أيضاً على المشي , ويعانان أحياناً من نوبات غضب , فيقومان بالصراخ والزحف لخارج المنزل .

الحالة الثانية : الشاب العجوز

 القصة الحقيقية لحالة بنجامين بوتون الغريبة

- حالة " سام بيرنز " هي عكس الحالة السابقة , إذ يعاني سام من مرض إضطراب الشياخ الوراثي والذي يمكن أن يصيب واحداً من كل ثمانية ملايين نسمة , والذي يسبب الشيخوخة المبكرة والسريعة 


- وتشمل الأعراض فقدان الشعر , وبطء النمو , وتدهور حالة المفاصل , ومشاكل أمراض القلب المبكرة .

ولكن بالطبع فإن سام لم يعود بالسن إلى الوراء كما حدث مع شخصية " بنجامين بوتون " الوهمية , ولكن بالنظر إلى حالته فبدا كأنه من جيل قديم بين زملائه ومن هم في نفس عمره .
 الصة الحقيقية لحالة " بنجامين بوتون " المحيّرة

- عاش هذا الشاب الصغير حياته سعيد , وبشكل طبيعي على الرغم من التحديات التي واجهته كل يوم , وقيل أنه كان يتمتع بدراسة الرياضيات والعلوم في المدرسة ويقرأ الكثير من الكتب المصورة .


- قبل وفاته - كان سام يخطط أيضاً لدخول الكلية , وكان يأمل في دراسة علم الوراثة أو بيولوجيا الخلية .

- جدير بالذكر أن المرضى الذين يعانون من هذا المرض النادر يعيشون في المتوسط إلى سن 13 عاماً , ولكن " سام " كان محظوظاً لعيشه مدة أطول حتى 22 عاماً  , وقد تم تصوير فيلم وثائقي عن سام  عام 1998 يحكي قصته مع مرض الشياخ .

جدير بالذكر : أن مرض الشياخ  يسمى أيضاً بروجيريا (المعروف أيضا باسم "متلازمة بروجيريا جيلفورد-هاتشينسون" أو HGPS اختصارًا، أو متلازمة بروجيريا)، هو اضطراب وراثي نادر جدًا، حيث تظهر على الإنسان أعراضٌ تشبه أعراض الشيخوخة ولكن في سن مبكرة جدًا , وبروجيريا كلمة تأتي من المفردات اليونانية "برو" بمعنى "قبل" أو "سابق لأوانه"، و"جيراس" وتعني "التقدم في السنّ". ومعدل الإصابة بهذا الاضطراب منخفض جدًا، وتحدث في حوالي 1 من كل 8 ملايين حالة ولادة, ومن يولد بهذا الاضطراب يعيش عادةً إلى منتصف سن المراهقة إلى أوائل العشرينيات. وهي حالة جينية تحدث عبر تحوّل في الجينات ونادرًا ما تُورّث باعتبار أن من يعاني منها عادةً لا يعيشون لفترة تمكنهم من الإنجاب.

الحالة الثالثة : الطفلة التي لا تكبر


 القصة الحقيقية لحالة " بنجامين بوتون " المحيّرة

 حالة  أخرى غريبة للغاية , هي حالة " غابي وليامز " التي تزن 11 كيلو فقط , وتبدو كطفلة حديثة الولادة , لديها وجه وجسم طفل رضيع , ولكنها في الواقع تبلغ من العمر 9 سنوات .!


- هذه الطفلة بقيت على حالها , لا تكبر , ولا يزال الخبراء لم يعطوا إسماً طبياً لحالتها , ولكن إطلقواعليها إسم " حالة بنجامين بوتون الحقيقية " , لإنها تعاني من إضطراب كبير في عملية النمو , فالسنة الواحدة من عمرها بأربع سنوات في عمرنا الطبيعي , وهذا الامر شكل لغزاً طبيعاً , دفع الباحثين إلى الإعتقاد بإن غابي تحمل في جيناتها مفتاح وقف الشيخوخة .


- تعيش غابي مع والديها في أمريكا , مع خمسة من أشقائها , وعلى الرغم من انها ثاني أكبر طفل في العائلة إلا أنها بالطبع أصغر من جميع أشقائها جسدياً وعقلياً .

- عندما ولدت غابي , تحول لونها إلى الإرجواني , وكان ضيعفة جداً , وكشفت الإختبارات وقتها عن وجود شذوذ في الدماغ والعصب البصري , الذي جعلها عمياء .
كانت غابي أيضا تعاني من إثنين من العيوب في القلب , ولديها حنك مشقوق , وعملية البلع لديها تحدث بشكل غير طبيعي , إذ تتناول الطعام من خلال أنبوب يمر في أنفها .

- على الرغم من كل هذا فإن نتائج إختبار الكروموسومات جاءت سلبية من العوامل الوراثية المعروفة , ولم يملك الأطباء أية فكرة عن حالتها المحيّرة , لذلك أخذتها عائلتها إلى المنزل , وحاولوا الإعتناء بها .


- وبعد أسابيع وشهور من ولادة غابي , بالكاد تمت ملاحظة نموها البطيء للغاية , وفي نهاية المطاف قال الأطباء أن غابي تعاني من بطء في عملية النمو والشيخوخة , بمعدل أبطأ بكثير من الأطفال في عمرها .


- الآن غابي لا تبصر , وغير قادرة على الكلام , وتقول والدتها أنها أحياناً تبتسم وأحياناً تبكي , ولكن ليس هناك إتصال قوي معها .

وعلى الرغم من بلوغها تسعة أعوام إلا أن غابي تعتمد على والديها إعتماد كلي كأنها رضيعة , فهي تتغذى بالفعل على الحليب كل ثلاث ساعات من الزجاجة , وترتدي الحفاضات , وشعرها ناعما ً , وبشرتها لا تزال هشة كبشرة حديثي الولادة , حتى أنها مازالت ترتدي ملابس الأطفال الذيب يبلغون من العمر من 3-6 أشهر , وتبلغ من الطول حوالي 2 قدم  فقط .

- وقبل بضعة سنوات قامت أسرة غابي بالسعي لمحاولة إكتشاف سر هذا المرض الغريب , وهل توجد حالات مشابهة ام لا .. وبالفعل , كانت هناك حالات مشابعة لحالة غابي , فهناك رجل من فلوريدا يبلغ من العمر 29 عاماً ولكنه يملك جسم طفل عمره 10 سنوات , وكذلك هناك إمرأة من البرازيل تبدو كأنها طفلة صغيرة في حين أنها في واقع الأمر تبلغ من العمر 31 عاماً , ومثل غابي , لم يكن هناك تفسير لحالتهم .


- الآن بعض الأطباء والباحين يقومون بدراسة حالة غابي , في محاولة منهم للعثور على الجينات التي تقوم بوقف عملية الشيخوخة أو إبطائها , وفي البداية لم يوافق كلاً من والدي غابي , لإنهم لم يريدا أن تكون إبنتهما كفأر تجارب , ولكن عندما إكتشفا أن هذه البحوث قد تساعد الناس الذين يعانون من مرض الزهايمر , شعرا أن الأمر يستحق العناء .


- غابي الآن مستقبلها غير معروف طبياً , فلا يستطيع الأطباء معرفة إلى أي عمر ستعيش , ولا المشاكل الصحية التي قد تواجهها , وقد تكون " غابي " لغزاً محيراً بالنسبة للأطباء , ولكنها بالنسبة لعائلتها شيء إستثنائي يفخرون به .

- كانت هذه حالات مشابهة لما حدث مع الشخصية الوهمية " بنجامين بوتون " , وعلى الرغم من تعدد تلك الحالات وإختلاف ظروفها , إلا أنها مازالت تندرج تحت " ملفات محيرة " , ونأمل من العلماء في المستقبل أن يتمكنوا من حل هذا اللغز البيولوجي .