الاكتئاب، مثل الفن، يستحيل وصفه وبشكل كافٍ باستعمال الكلمات
وحدها، إلا أنه إذا لم يكن الشخص قد عانى مع هذه التجربة، فإن طبيعة الاكتئاب غير
الملموسة، مثل بقية “الأمراض غير المرئية” الأخرى، تجعل التعرف عليه اكثر صعوبة
سواء بالنسبة للمرضى وغير المصابين على حد سواء. ومن المقدر ان يصبح الاكتئاب ثاني
أكثر المشكلات الصحية شيوعًا في العالم بحلول عام 2020، وفيما يلي توضيح بعض
الأساطير الشائعة حول الاكتئاب.
الاسطورة الاولى: الاكتئاب
هو شيء يمكنك ببساطة سحب نفسك منه
الاكتئاب ليس اختياراً، ولا يرغب أي
فرد في الحصول على الأعراض التي يسببها الاكتئاب، هناك علاقات معقدة ومتبادلة ما
بين كيمياء الدماغ ووظائفه وبيئته، وتشير إلى أن العوامل العصبية خارجة إلى حد
كبير عن السيطرة البشرية، وقد يكون الناس مؤهلين لأن يصبحوا أو يظلوا مكتئبين بسبب
حالة دماغهم فقط لكن هناك عوامل بيئية حاسمة.
الأسطورة الثانية: الاكتئاب هو شيء يمكنك إخراج نفسك منه بالتفكير
التفكير الإيجابي أو اختيار رؤية نصف
الكأس "الممتلئ" هي الاقتراحات المتكررة المقدمة في كتب المساعدة
الذاتية وبعض الطرائق العلاجية. بالنسبة للبعض، فيمكن أن تكون هذه نصيحة مفيدة.
إلا أنه مع ذلك، فإنشاء جو إيجابي حول الوضع السلبي يتطلب استخدامنا للعمليات
المعرفية المتعمدة، ففي الاكتئاب الإكلينيكي، يتم إصلاح المتلازمات الجسدية (على
سبيل المثال، مستوى الطاقة المنخفض، عدم القدرة على تنشيط دارة المتعة، إلخ)
وعندها تفقد الأنماط المعرفية مرونتها. وعند حصول هذا، يصبح من الصعب "إخراج
الشخص لنفسه".
عندما يكون شخص ما لديه تشخيص منهك
وحقيقي مثل اضطراب اكتئابي جسيم، فإن مجرد النهوض من السرير للاستحمام يتم الشعور
به كمهمة بدنية صعبة ومستحيلة.
الأسطورة الثالثة: يجب أن يكون لديك سبب للاكتئاب
إن الاكتئاب مخادع ومقنع كسياسي فاسد،
يستطيع اقناعك بكل أنواع الأكاذيب، مثل: "ليس من حقك أن تشعر بالاكتئاب. انظر
الى كل ما لديك. يجب أن تشعر بالامتنان". إن الاكتئاب السريري لا يتطلب منك
أي مبرر. على الرغم من أن العالم يقيس السعادة من خلال العوامل الخارجية ثم يحدد
أنه يجب عليك أن تكون سعيدًا إذا كان لديك ما يكفي منها، فهذا لا يجعل الأمر فعلاً
هذا الأمر صحيحاً.
مثل هذه الملاحظات من الأحباء، على
الرغم من أنها قد تكون حسنة النية، إلا أنها تعزز وتزيد من الشعور بالذنب، وهو أحد
الأعراض الشائعة للاكتئاب. إن الاكتئاب السريري لا يتطلب مبرراً تماما كما لا
تتطلبه الإصابة الانفلونزا، فالإكتئاب يشوه إدراك الفرد لنفسه وللعالم، وهنا يأتي
دور لوم الذات: "عندما تعاني من الاكتئاب، فإنك غالبًا لا تستطيع رؤية الوضع
بشكل واقعي أو الاستجابة له بشكل كافٍ وبدون مساعدة".
الأسطورة الرابعة: إذا كنت تستطيع أن تعمل، فأنت حتماً لست مكتئباً
عندما تصاب بالأنفلونزا، تبقى في
المنزل، أما مع الاكتئاب، فالأمر مخفي تماماً، فكثير من الناس يعانون من الاكتئاب
وما زالوا يعملون ويعيشون حياتهم. نحن لا نواجه دائمًا أعراضاً جسدية. وقد يكون
الأمر صعبًا لأن الناس لا يعرفون ذلك. ولذا، يُشار إلى الاكتئاب على أنه مرض غير
مرئي.
الأسطورة الخامسة: لو أنك كنت قوياً بما يكفي، فما كنت لتكون مكتئباً
إن الاكتئاب السريري لا علاقة له
بالقوة أو بالضعف، في الواقع، يتطلب الأمر قدراً كبيراً من الشجاعة لطلب المساعدة
عندما تعاني. ومن أعماق الألم النفسي، غالبا ما يبرز المرء بقوة وتقدير متجدد
للحياة. العديد من الذين تقاتلوا وخرجوا من هوة الاكتئاب أو أي حالة صحية عقلية
أخرى، يستطيعون حقاً تقدير الشعور بتحررهم من قبضته، وعلاوة على ذلك، فإن الشخص
الذي أُجبر على محاربة وصمة العار الاجتماعي، وإحساس الذنب الذاتي، غالباً ما يكون
لديه طابع وعمق روح الناجي من المرض.
فبدلاً من النظر الى تشخيص الاكتئاب
على أنه عقوبة مؤبدة، تخيل كيف سيكون الأمر لو تقبلناه كتحدٍ – نستخدمه للنمو
والتعلم، ولمساعدة الآخرين؟ ماذا لو كان الهدف هو الإتلاف البطيء لأية بقايا من
العار والذنب التي تبقى في أذهان الذين يعانون من المشاكل الصحية العقلية، وكذلك
في عقول من حولهم؟
من خلال الحديث عن أمراض الصحة
العقلية وجعلها طبيعية، قد يكون هذا مصدر إلهام لأكثر فأكثر من الناس لمشاركة
قصصهم. فنحن بحاجة إلى أن يصبح هذا الحديث علنياً، مثل حال العديد من القضايا
الأخرى. ولقد حان الوقت لتسليط الضوء عليه. فعندما يكون في الظل، لا يمكن معالجته.
إرسال تعليق