الكتابة عن الطاووس
محفوفة بالمزالق، أولها: أنني أضفت للواو- واوا حتى يتم إشباع الضم، والعرب- عادة-
لا تفعل ذلك، وثانيها: أن كثيرا من القوانين الوضعية السائدة تتحرش بمن يكون في
سطوره غمز ولمز، وثالثها: أنني قضيت ليلة كاملة أشارك علماء - محدودي الدخل- في
حديث مدهش عن أغلى طبق طعام في العالم، وكان كبد الطاووس يتوسط شرائح الكلام...
وفوجئت بعالم الحيوان
العربي (الدميري) يذكر: ويحرم كل لحم
الطاووس لخبثه، أيمكن أن يكون للكبد ما ليس للحم؟ لكن دائرة للمعارف تذكر: وفي
العصور الوسطى كان يقدم على المائدة محلى بريشه الجميل.. كيف؟؟
ولعل كلمة طاووس تدفع للذهن الذكر دون
الأنثى، لأن للذكر ذيلا تنتصب ريشاته في شكل مروحة، لونها أخضر وذهبي وعليها بقع
في شكل دوائر تشبه العيون، وتغزو الألوان الزاوية بقية ريش أجنحته وجسده، ثم تختصر
كلهـا في تاجه الصغير الجميل، في حين أن الأنثى- على غير ما نعرفه في عموم الطير-
لونها غير زاه ولا تتتفش أو تستطيل ريشات ذيلها، والطاووس يمارس أقصى حالات زهوه
بريشه المنتفش سعيا للأنثى، ما زلت أكتب فقط عن الطاووس. وموطن الطاووس جنوب شرق
آسيا، وفي رءوس الضباط الجدد؟ وحول موائد مباحثات الاستسلام، وفي غلاة الفنانين
ذوي الملابس الزاهية: التشكيليين قبل الممثلين، وفي حركة القرصان أكبر حينما يبغي
التنزه- أو التريض- على الموانىء المسالمة، وفي خطوات أصحاب الثروات المفاجئة، وفي
ردود أفعال الجاهل حينما يصبح مقصدا لصداقة ذوي الثقافة، وفي خطوات رئيس فريق
رياضي انتصر- على غير عادته- مرتين متتاليتين، وفي تأود كاتب غير موهوب أعلن رئيس
الدولة إعجابه به، وفي زهو فلاح انطلقت بندقيته مصادفة فقتلت كولا مروعا، وفي حمار
العمدة ذي البردعة الزاوهية والرأس المشدود بلجام الكبرياء. وأنثى الطاووس تضع ما
يقرب من عشر بيضات في العام، ترعاها وتنام عليها دون مساعدة من الذكر، وفي العادة
لا يفقس من البيض سوى اثنتين، ربما لأن الذكر يداهمها بزهوه وخيلائه دون اهتمام
بالنتائج، ويقال إن بالطاووس طاقة من عناصر الزهو والخيلاء ما لو وزعت على عدد
صغير من الناس لقاموا بانقلاب إفريقي متوسط الحجم، وهي مبالغة يحد منها أن التجربة
أثبتت أن الأمر قد يحتاج إلى مزيد من الطاووس والببغاء مع إضافة أمريكا الجنوبية
لمجال الانقلابات، ولعل ذلك وراء هذا المشهد الذي ذكره مرتادو الغابات من أن النسر
يرقب الطاووس حتى يبدأ في ممارسة نفش ريش زهوه وخيلائه، فينقض عليه بمنشره (أي
بمنقاره الوحشي)- ومن رقبته بصفتها أكثر المواضع ملاءمة لحركة منقار النسر، حيث
يظل النسر طويلا في الجو مستمتعا بالتحويم الدائري، وهذا الكائن الزاهي الزهو و
المرعوب يتألق مشعا بالغباء وهو معلق في النسر- ضحية ملونة- بين السماء والأرض.
وصوت الطاووس زقزقة واهنة تكاد تكون آهة أعرج موجوع ضعيف، أجمل منها وأكثر حرارة
أصوات العصافير، لكن أحدا لا يتوقف عند صوته الواهن أو جسده الضعيف، فالطاووس من
المخلوقات المتفردة التي وجدت لها عرشا حاكما في إيران لتصبح رمزه ومعناه، حتى لو
تهاوى كما تتهاوى وتهاوت عروش التنين والنجوم والهلالات (الأهلة أصح) والثعابين
والمطارق والمناجل والصقور والنسور، حيث فتح التاريخ أبوابه لها دون بقية
الحيوانات والطيور، ربما لأن الطاووس طائر غير شرير، متعته القصوى تتوقف عند زهوه
وخيلائه، وتكاد كل طيور الغابة تستمتع بمشاكسته أو مطاردته، ابتداء من الغراب
والحدأة وانتهاء بالبومة والبجعة. ومثل المتكبرين المتغطرسين: يرى الطاووس الحقائق
دون أن يدركها أو يقيم لها وزنا، حيث يصبح ضحية للآخرين بمجرد أن يجد مساحة مستوية
مضيئة من الأرض، ليمارس فيها متعته الكبرى، والتي تجلب أنظار كل الأعداء إليه، هل
رأيت طاووسا يمارس خيلاءه ورغبته الاستعراضية فوق فروع الشجر؟؟.
ومع ذلك سيظل هذا الكائن. المتفرد مهوى
قلوب الشعراء والأطفال والملوك والنقاشين العاشقات والمغرمين بالشعر العمودي دقيق
النظم والانتظام.
إرسال تعليق