نحن نعلم أطفالنا
القراءة بهدف تنمية مهارات معينة لديهم، فبالقراءة تتسع خبرات الأطفال وتنمـو،
ويتكون لديهم حب الاستطلاع للمعرفة بألوانها المختلفة، ويستطيعون معرفة الكون وما
يحدث فيه من ظواهر ومن غرائب وعجائب، وبالقراءة يتخطون حاجز الزمان فيقرأون عن
خبرات الماضي، وتنبؤات المستقبل.
والقـراءة تـزود
الأطفـال بـالمقـدرة على التـوافق الشخصي والاجتماعـي حيـث تزودهم باتجاهات
إيجابية وخبرات تفيدهم في التغلب على مشكلاتهم الشخصيـة، وتنمي لديهم الشعور
بـالـذات وفهمهـا الفهم الأمثل. والقراءة ضرورة أساسية لإعداد الطفل الإعداد
العلمي السليم فمن خلالها يكتسب ويتعلم صنـوف المعرفة التي نرغب في تعليمها له، أو
التي ينبغي عليه أن يتعلمها. ومن خلال القراءة تتوافر للطفل أسباب التسرية
والترفيـه والاستمتاع من خلال قصص أو كتب جيـدة الفكرة، سهلة الأسلـوب، جميلة
السرد، تصور شخصيـاتها بدقـة وأمانة شديدة.
كيف نعلم الطفل القراءة؟
حينما نقدم للطفل ما نريد له أن يقرأه،
ينبغي أن نعني بزيادة الثروة اللفظيـة لديـه، فنثري جـوانب حصيلته اللغـوية بكلمات
جديدة ومعان متعددة، مع ابتعـادنا عن الغـريب من الألفـاظ أو الإكثـار المبـالغ
فيـه من المترادفـات من الكلمات. وينبغي أن نهتم بتـدريب الطفل على استنبـاط
الأفكـار والمعلومات فنسأله بعد أن يقرأ موضوعا ما، ماذا قرأت وماذا فهمت، وهل
تستطيع أن تقسمه إلى أفكار أو إلى أحـداث مـرحلية، فنغرس فيه الدقة والعمق في فهم
المادة المقروءة. وعلينا أيضا أن نعوّد الطفل القراءة الصامتة بعد أن كان يقرأ
قراءة جهرية فنوفر عليه الجهد والوقت ونساعده على زيادة فهم ما قـرأه. وحين نعلم
الطفل القـراءة ينبغي أن نعوده على سرعة القراءة، فنساعده على قراءة الإعلانات في
وسائل الإعلام المختلفة أو سرعة تصفح الجرائد والمجـلات اليومية ولا ننسى أن نسأله
ما الذي استرعى انتباهك أو استوقف نظرك وأنت تقـرأ الصحيفة أو المجلـة. وحين نشرع
في تعليمه القراءة- أيضا- علينا أن نعطي من أنفسنـا القدوة والمثل في حب القـراءة
والمعرفة، فيتعين أن نهتم بالزاد القرائي للطفل اهتماما موازيا بمأكله وملبسه
فنوفر لـه القصـة والكتـاب والمجلة، ونشجعـه على القراءة في أوقـات معلومة فينشأ
الطفل ومعـه نفس تواقة إلى المعرفـة والقراءة ويجتهد دائما في البحث عن المعـرفـة
أينما كانت. وتوفير الكتاب للطفل يحتاج إلى التدقيق في نوعه فنختاره متفقا مع
ميـول الطفل، وفي مضمونه فنـراعي فيـه بسـاطـة الفكـرة ووضوحها وقرب المأخذ
وسهولته، وأن يكون جيـد الطبع واضح الحروف جميل الصور من ورق مصقـول بحيث يشـوق
الطفل ويستثير اهتمامه، هذا بالإضافة إلى توفير مكان جيد الإضاءة كي يقرأ الطفل
بسهـولة ويسر. وحيث إن الطفل يـرغب في تملك الأشيـاء والاستحـواذ عليهـا، فينبغي
أن نخصص لـه كتبه، ونخصص لـه مكتبته كلما كان ذلك ممكنا، ونعلمه المحافظة على
الكتاب، فنشبع في ذاته غريزة التملك.
النضج والخبرة
وإذا كـانت القراءة للطفل مهمة لهذه
الدرجة، وما ينبغي اتباعه عند تعليم الطفل القراءة ألا يجدر بنا أن نتساءل: متى
يكون الطفل مستعدا للقراءة ولتعلم أسسها ومبادئها؟ من المعروف من دراسات علم نفس
الطفولة أن الاستعداد للقراءة لدى الطفل يستلزم ثلاثة أنواع من النمو:
1- النمو العقلي.
2- النمو الجسمي.
3- النمو الذاتي
الاجتماعي.
أمـا النمـو العقلي فيعتمـد على عاملين
أساسيين هما:
1- النضج الذاتي.
2- التدريب والخبرة.
ونعني بـالنضج الـذاتي تلك العوامل
الأساسية التي تـدخل ضمن مظـاهر النمـو العقلي، ولها تأثيرها على الاستعداد
للقـراءة، وهي الوصول إلى عمر عقلي معين يسمح بالقراءة وغالبا لا يكون قبل سن
السادسة إلا في حالات بعينها، وكـذلك القدرة على تذكر أشكـال الكلمات ومـدى تـذكـر
المقـروء والقـدرة على التفكـير المجـرد ثم القدرة على الربط بين المعاني وكلها
عمليات عقلية معـرفية تتضمن نضجا ذهنيا معينا.
أما التدريب والخبرة فهما حصيلة عملية
التنشئة الاجتماعية والتربية الهادفة داخل الأسرة أولا، حيث تري الطفل في ضـوء
الخبرات المختلفة التي يمكنه الحصول عليها، وثـانيـا المدرسـة حيث التربيـة
المقصودة والموجهة، ويبدو أثـر المدرسـة واضحا على الاستعـداد القرائي للطفل في
زيـادة الحصيلة اللغوية، وصحـة النطق، والقدرة على تركيب الجمل واستنباط المعاني
المختلفة بالإضافة إلى اتساع مدارك الطفل والقدرة على التفكـير في حل المشكلات، ثم
القدرة على الاحتفاظ بسلسلة من الحوادث في العقل. أما النمو الجسمى فيقصد بـه
الصحة العامة للجسم وسلامة الحواس الضروريـة لتعلم القـراءة كـالسمع والبصر وسلامة
أعضاء النطق ونمو العضـلات المتحكمـة في أطـراف الأنـامل في اليـد اليمنى أو اليـد
اليسرى في حـالـة الطفل الأعسر " الذي يكتب بيده اليسرى". ويقصد
بـالنمـو الـذاتي الاجتماعي نمـو المهـارات الشخصية والاجتماعيـة لدى الطفل، وذلك
من خلال مدى مقدرته على التـوافق الاجتماعي والشخصي مع ذاته أولا ثم المحيطين بـه
ثانيـا، مع وجود الاستعـداد العـاطفي الذي يـلائم بين الطفل والموقف المدرسي
ويسـاعـد على الاستجـابـة للعمل، فـالطفل لا يستطيع تعلم القراءة بصورة أفضل ما لم
يكن متزنا عاطفيا ومتوافقا توافقا نفسيا سليما.
الاسم والصورة
وتأخذ القراءة مراحل تطورية متعددة ففي
مرحلة ما قبل المدرسة ينبغي أن يتعلم الطفل علاقة اللغة المكتوبة باللغة المنطوقة،
وأن يفهم أن الكلمة المكتوبة تقابل الكلمة المنطوقة، فإذا قلنا له "أسد"
مثلا فينبغي أن يرى صورته ثم ندلـه على كتابـة اسمه والحروف التي يتكون منها
الاسم، ومن الضروري أن تكـون الكلمات التي نعلم الطفل القراءة من خلالها من
الألفاظ الشائعة على لسانه المألوفة بالنسبة له. وفي هذه المرحلة تنمو لدى الطفل-
بشكل تدريجي- حصيلة لغوية من المفردات المتداولة، وبمـرور الـوقت يستطيع أن يفهـم
الجمـل ويستخدمها الاستخدام الصحيح، ومن ثم تنمو لديه المقدرة على الاستماع
والاستيعـاب للقصص ويستطيع كذلك أن يستخدم اللغة ويفهمها بدرجة تتناسب ونضجه
العقلي. ومن المعـروف أن هنـاك فروقا واضحـة بين الأطفال في الاستعداد للقراءة،
فهو الأساس في نمو القدرة على القراءة في مختلف مراحلها، كـما توجـد فروق فردية
واضحـة بين الأطفـال في سن السادسة من العمر في عملية القراءة، ففي نهايـة العام
يكـون الطفل العادي قد اكتسب حصيلة لغوية معينـة يستطيع أن يتعرف عليها بالنظر،
ويكون قد وصل إلى درجة من الاستقلال في استخدام أسـاليب التعرف على الكلمات، ووصل
إلى درجـة من المهـارة في القراءة الصامتة أو الجهرية للكلمات وقـد يستطيع أن
يستقل بـذاته في عملية القـراءة. وفي نهاية العـام الثامـن من العمر يكون الطفل قد
مشى في طـريق القـراءة من أجل الدرس والتحصيل واكتسـاب المعرفة خطوات واسعـة،
ويتكون لديـه عنصر السرعة في القـراءة الصامتة بدرجـة أكبر من القراءة الجهرية،
ويتكون لديه اتجاه إيجابي نحو الكتب والقراءة بوجه عام، ويستطيع كـذلك أن يقوم
بعملية القراءة بمفرده، وفي الأعوام التالية من عمر الطفل التـاسع والعاشر والحادي
عشر تصبح القراءة لديه أداة لتحقيق الاستمتـاع وتحصيل المعلومات بأنواعها
المختلفة، ثم يصبح قارئا مستقلا، وبعـد ذلك يسير نموه بخطى مطردة في طريق القـراءة
حتى يصل إلى مـرحلـة النضج القرائي في سن الشباب.
ماذا يقرأ الأطفال؟
في البدء كانت الحكاية أو
"الحدوتة" التي ترويها الأم أو المربية على مسمع من الطفل حتى يتعلم
القيم الفاضلة، أو حتى يكف عن بكائه ويهدأ ويستريـح، أو لتشجعه على تقديم الحكايات
التي أعجبته وأسعدته في ثوب من لغته البسيطة ومعانيه القليلة، ثم يتعلم القراءة
وليس ثمة شيء يستحوذ على اهتمام الطفل سـوى قـراءة القصـة والاستمتـاع بها
والاسترشـاد بمعانيها وآدابها. وتوجد أنواع كثيرة من قصص الأطفال أهمها:
1- القـصص الخيالي: ويـدور حول الحيوانات
أو الطيـور أو المخلوقات الغريبة أو عالم الجن أو السحر وتبرز من خيـال القصص
الخيالي خصائص الشعوب والأمم والأجناس، ويقوم البطل بخـوارق العادات ويهدف لتكـوين
القيم الرفيعة. وهي تقوم على مخاطبة عقل الطفل وخياله وعواطفه، وتتنوع فيها
المشاعر بين الفرح والحزن والرضا والغضب والحيل البارعة والشجاعة والمغامرة التي
يكون أبطالها من الحيوانات والطيور أو الأطفال الصغار، وهـي تغمر دنيا الطفل
بالبهجة والسرور بما فيها من مغامرات مضحكـة طريفة فيها العبرة، وأسلوبها قصصي،
ومفرداتها مألوفة، وجملها قصيرة.
حكايات وفضائل
2- القصص الـديني: ويتناول موضوعات دينية
هي: العبادات والعقائد والمعاملات وسير الأنبياء والرسل، وقصص القرآن الكريم
والكتب السماويـة، والبطـولات والأخلاق الدينية، وما أعده الله تعالى لعباده من
ثـواب أو عقاب، وأحوال الأمم السابقة وعلاقتها بقضية الإيمان بالله تعالى، وموقفها
من الخير والشر. وشـاع في القصص الـدينى قـراءة قصص الأنبيـاء والصـالحين، وقصص
الحيوان في القرآن الكريم، وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته وأصحابه، وأمهات
المؤمنين، ونساء خالدات، والسيرة، وكلها حكايات تدعو إلى الفضائل وتنفـر من
الرذائل، وتجمع بين المتعـة والتشـويق والمغزى الخلقي، وفيهـا حقائق دينية مفيدة،
وفيها مـواقف للعظة والاعتبار، ودلائل على أن حيـاة الأنبياء والرسل حياة مثـاليـة
كريمة، تصـور مواقف البـذل والعطاء والتضحية في سبيل المبدأ والعقيدة.
3 - قصص المغامرات: نـوع يعرف بالقصص
البوليسي يدور حول جريمة ارتكبها شخص أو أكثر، وأبطال القصة عادة من الأطفال
يسـاعـدون رجـال الشرطة، ويسعون إلى الكشف عن الجناة عن طريق سلسلة من الأحداث.
وهي تدور حـول انتصار الخير على الشر وأن المنحرفين مصيرهم السجـن والجريمة لا
تفيـد، وتبين كيف يمكن أن يكـون الأطفال عنصرا مفيـدا في المجتمـع بـذكـائهم
وشجـاعتهم، ولا تخلـو هـذه الألغاز من معلومات خـاصـة بالأمـاكن المختلفة بأسلوب
جـذاب ممتع يتناسب مع القصة البوليسية مما تستوجبه من الإيقاع السريع لـلأحـداث
والتسلسل المنطقي والحبكـة الفنيـة للحوادث، وهي تـؤكـد القيم التربوية المنشـودة
في المجتمع العربي والإسلامي.
بناء التفكير العلمي
4- القصص العلمي: ويدور حول حدث علمي أو
اكتشاف أو اختراع حدث في عصر من العصور، ويتناول البيئة التي نشأ فيها المخترع
وصفاته الشخصية وقدرته على اجتياز العقبات التي تقف في طريقه وكيف يتغلب عليهـا
وصـولا إلى اختراعه أو كشفه العلمي، وبعض هذه القصص تعنى بالخيال العلمي عناية
واضحة، وهذا يعني أن الهدف الأساسي من القصـة واستخدامها أسلوبا للتعليم هو تنمية
الخيال والسلوك والقيم المرغوبة وتزويد الأطفال بالثقافة العلمية وأسلوب التفكير
العلمي.
5- القصص التاريخي: ويعتمد على الأحـداث
التاريخية والمواقع الحربيـة والغزوات، ويأتي هـذا القصص ممزوجا بقصـة حب تقع بين
أبطاله وقد يتضمن هذا النوع قصص الـرحـالـة بما فيـه من معلومات عن البلدان
والقارات والمحيطـات وهو يتضمن عـادة طرائف من الشرق والغرب ترمي إلى تنميـة
الخيال والإلمام بثقـافة الناس وطبـائعهم وعـاداتهم وحضاراتهم، وبها قصص طريفة
حوادثها أخاذة وأسلـوبها مشوّق تبهج الطفل القارئ وتطلعه على ألوان مشوقة من
الحياة وتدفع عنه السأم وتعوده حسن التفكير. وهي قصص تعرف الطفل مزايا العرب
وصفاتهم من بطولة وشجاعة وكرم وتـزود الأطفال بثقافة إسلامية وعالمية وحضارية تصور
مواقف العطاء والبذل والوطنية والفداء في سبيل الوطن والكفاح من أجل المبدأ
والعقيدة والوطن، والأطفال عادة ما يتوحدون مع البطل ويعيشون الأحداث على أنها
واقع يشاركون فيه.
6- القـصص الاجتماعي: ويتناول الأسرة
والروابط الأسرية والعلاقة بين الأب والأم والأبناء والإخوة والجيران، والمنـاسبات
الأسرية المختلفة مثل أعياد الميلاد والزواج واحتفـالاته، وصـور ومواقف النجاح
والإنجـاز ومواجهة الحياة بشرف وجـد وأمانة.
7- قصص الرسـوم: وهي القصص القصيرة التي
تستخـدم الرسـوم والصور للتعبير عن حكاية بسيطة، تهدف إلى تنمية الخيال والسلوك
السليم والقيم المرغوبة والاستعداد للقراءة لدى الأطفال الصغار الذين لم يلتحقوا
بـالمدرسـة أو الذين في الصفوف الأولى منها.
إرسال تعليق