هل تتمكن التكنولوجيا من إختراق أدمغتنا ؟
- ربما قد طرأ على مسمعك كلمة هاكر HACKER
- إختراق - قرصنة - وغيرها من الأسماء التي تُشير إلى ذلك العالم المحتال
الذي قد يهاجمك خفياً من وراء شاشات الهواتف المحمولة أو الحواسيب وغيرها
.. فيصل في لحظات إلى كل ما تملكه وتحتفظ به على جهازك , حتى إلى كلماتك
السرية وربما حسابات أموالك على الإنترنت ..
إنه لأمر مرعباً حقاً .. ولكن هل يكون الأمر أكثر رعباً إذا أخبرتك أنه يمكن لتلك القرصنة أن تصل يوماً إلى مكنونات دماغك ؟!
تخيل .. كل تلك الصور التي تحفظها في
مخيلتك , كل تلك الذكريات التي مازالت قابعة هناك في إحدى زوايا عقلك , تلك
الأخطاء التي ارتكبتها ولا تريد لأحد أن يعرف عنها شيئاً فخبئتها في دماغك
إلى الأبد ومع ذلك تفكر بها أحياناً , مشاعرك المختلفة تجاه الأشخاص ,
وأفكارك الحالية , وتلك الشتائم التي تود أحيانا لو استطعت لفظها أمام شخص
ما .. فلم تستطع ... كل ذلك وقد أصبح مكشوفاً أمام الجميع .. إنها بيانات
.. مجرد بيانات سوف يسردها جهاز أحد هؤلاء الهاكرز ؟!
فمثل أجهزة الكمبيوتر , فالعقول
البشرية قد تكون عُرضة للمتسللين , وتسمح التكنولوجيا بالفعل للعلماء
بقراءة أفكار الناس وحتى زراعة أفكار جديدة في الدماغ .
ولكن قد تتخطى التكنولوجيا يوماً الخط الفاصل بين العلم والخيال العلمي ...
ما الذي نتحكم فيه في أدمغتنا ؟
من المحتمل انك سمعت عن فكرة ان الإنسان لا يستخدم سوى 10% من الدماغ , ولكن وفقاً لـ موران سيرف Moran Cerf - استاذ علم الأعصاب والأعمال في كلية كيلوغ للإدارة - أن هذا الأمر برمته محض أسطورة .
لم يستطع أحد أن يحدد بدقة أين نشأت تلك الأسطورة , ولكن يمكن القول أنها تعود إلى أوائل القرن العشرين عندما قال عالم النفس ويليام جيمس إن البشر لا يستخدمون سوى جزء صغير من قدراتهم العقلية والبدنية " وذلك في كتابه ( الطاقات البشرية ) .
تُظهر الأبحاث أنه يمكنك الوصول إلى
أكثر من 10% من عقلك , إلا أنه في الواقع يمكنك استخدام عقلك بالكامل في أي
وقت , ولكن يمكنك أن تدرك فقط نسبة مئوية صغيرة من عقلك , في حين تتحكم في
بقية النسبة من منطقة اللاوعي .
فإذا طلبت من شخص ما رؤية العالم بظلال
رمادية مثلاً ، فسوف يفشل , فعلى الرغم من أن معالجة الألوان تتم في
أدمغتنا، إلا أننا لا نستطيع التحكم في الأجزاء التي تتحكم في معالجة
الألوان , حيث يستحيل فعليًا على أي شخص الوصول إلى تلك العمليات التي تحدث
في مخه - على الأقل في الوقت الحالي.
وكذلك لا يمكن أيضًا محو الذكريات أو
إزالة المعلومات أو التحكم في العواطف حسب الرغبة, لا يمكنك مثلاً أن تقرر
أنك ستحزن لمدة 10 دقائق ثم تشعر بالسعادة لبقية اليوم ومع ذلك يجادل Cerf
أن هذا قد يتغير.
ويوضح Cerf أن الدماغ يحتوي على البيانات التي تسير في اتجاه واحد , وتلك العملية يسميها علماء الأعصاب بـ ( الشبكة العصبية الأمامية )
بمعنى أنه يكاد يكون من المستحيل أن تنتشر المعلومات للخلف في تلك العملية
, ولكن يمكن لعلماء الأعصاب جعل المعلومات تتدفق في كلا الاتجاهين عن طريق
إنشاء نقاط معينة تنعطف في اتجاه النقاط الأمامية .
فمن خلال العمل مع المرضى الذين كانت أدمغتهم مفتوحة لإجراء عملية جراحية ، وضع سيرف وفريقه أقطاب كهربائية
داخل المخ لإنشاء تلك النقاط المنعطفة , وبهذه الطريقة أمكنهم الوصول إلى
أجزاء من الدماغ وتدريبها على السيطرة على الأجزاء التي يتعذر الوصول إليها
عادة , فهل يمكن بتلك العمليات تغير إدراك الشخص للواقع مثلاً وتغيير
أفكاره ؟!
لنوضح الأمر ...
هناك العديد من العمليات التي تحدث قبل
أن يراها عقلك : مثلاً عند رؤية شيء ما , تصل الفوتونات إلى شبكية العين
الخاصة بك ، ثم يقوم دماغك بتجميع المعلومات في شكل ألوان وأشكال ، بحيث
يمكنك في النهاية فهم الصورة
ومع ذلك ، إذا تمكنت من الوصول إلى
أجزاء معينة من الدماغ ، يمكنك رؤية شيء بعينيك وشيء مختلف في عقلك , فقد
ترى والدتك ،بينما تفكر في والدك وتكّون صورة عنه داخل عقلك , وهذا ما فعله
فريق أبحاث Cerf ، ومع المزيد من التجارب،قد يتمكنوا من تغيير ما يسمعه
المشاركون في التجربة وتغيير ما يرونه , فمثلا تخيل سماع إهانة لك ، لكن
عقلك يختار أن يتجاهلها تمامًا !
وتشير نتائج الدراسة إلى أنه مع مزيد
من السيطرة على عقول المشاركين ، يمكن أن يتمتع الناس بمزيد من القوة
والسيطرة على حياتهم, يمكنك أن ترى وتسمع ما تريد ، بدلاً من إدراك الأمر
بشكل طبيعي من خلال الحواس , يمكنك التحكم في ما تشعر به بحيث يمكن التخلص
من بعض الأمراض النفسية كالإكتئاب مثلا.
سرقة أفكارك من إشاراتك الكهربائية
في الآونة الأخيرة ، في مؤتمر Enigma Security ، كشفت الباحثة والمحاضرة بجامعة واشنطن تامارا بوناتشي Tamara Bonaci عن التكنولوجيا التي يمكن استخدامها "للتسلل" إلى أدمغة الناس.
ابتكرت تامارا هذه التكنولوجيا من خلال لعبة تسمى Flappy Whale
, فبعض تقنيات تلك اللعبة قادرة على استخراج الاستجابات العصبية للاعب سرا
للصور المموهة في اللعبة مثل الشعارات والمطاعم والسيارات أثناء اللعب ،
إلخ , كما أن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على جمع معلومات أكثر خصوصية عن
اللاعب مثل دينه ، مخاوفه ، تحيزاته ،صحته , وهكذا
تركز أبحاث Bonaci
على الأمن والخصوصية الإلكترونية ، خاصةً مع الأجهزة الطبية الحيوية , حيث
يتم جمع المعلومات المستخدمة في تجربتها لتحديد الاستجابات العصبية من
الإشارات الكهربائية الفيزيائية للشخص , فالإشارات الكهربائية التي ينتجها
جسمنا قد تحتوي على معلومات حساسة عنا قد لا نكون على استعداد لمشاركتها مع
العالم, علاوة على ذلك ، قد نعطي تلك المعلومات دون إدراك منا .
وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا ليست قادرة بعد على القراءة الكاملة للعقل ، إلا أن تمارا متأكدة من أنه إذا تم دمجها مع تقنية سماعات الواقع الافتراضي (VR) ، أو تطبيقات اللياقة البدنية التي تستخدم الأجهزة المادية ، أو معدات BCI
المعدلة ، أو مجموعات أخرى من البرامج والأجهزة ، يمكن لهذه التقنية أن
تسمح للباحثين في نهاية المطاف بمعرفة مجموعة واسعة من الإشارات الكهربائية
الحساسة للبشر.
لذا مع استمرار تطوير تلك التقنيات
سيتعين علينا في يوم من الأيام التفكير في الإشارات الكهربائية التي ننتجها
بيولوجيًا على أنها بيانات يمكن أن تُسرق أو يتم التلاعب بها أو استخدامها
ضدنا.
تقنية أخرى تمضي على نفس المنوال طورها المخترع وعالم التكنولوجيا العصبية فيليب لو Philip Low - وهي عبارة عن جهاز محمول خاص بالمخ يُسمى "iBrain " يمكنه اكتشاف النشاط الكهربائي للمخ من سطح فروة الرأس , فالأشخاص الذين يعانون من مرض لو جيريج (التصلب الجانبي الضموري)
أو أشكال أخرى من الشلل ولا يزال يعمل الداغ لديهم بشكل طبيعي , فإنه
باستخدام جهاز iBrain يمكن لأولئك الأشخاص استخدام أفكارهم للتحكم في حركة
الأشياء على شاشاة الكمبيوتر مثلاً .
ومن ناحية اخرى , هناك بعض علماء الأعصاب الذين يقومون بترجمة لغة الدماغ إلى لغة مقروءة , فعالم الأعصاب جاك جالانت Jack Gallant بجامعة كاليفورنيا في بيركلي قام بتجميع ( قاموس عقلي
) لترجمة الأفكار إلى صور وكلمات , حيث أظهر جالانت وزملاؤه صوراً مختلفة
تعبر عن أفكار الناس أثناء قياس نشاط الدماغ من خلال التصوير بالرنين
المغناطيسي .
هل يقع اللوم على التكنولوجيا وحدها ؟
قراءة عقول الناس لا تتطلب دائما التكنولوجيا, يمكن لعلم النفس أن يفعل ذلك ,
مارك سالم - عالم نفس في نيويورك - تمكن من أن يتعرف على أفكار الشخص باستخدام الإشارات المادية الدقيقة في لغة الجسد , وقال سالم لـ LiveScience "خدش الأنف قد يعني أنك تكذب ، أو يمكن أن تكون مجرد حكة أنف عادية".
عندما يحاول مارك قراءة عقل شخص ما ،
فإنه يبحث عن ما يسميه "حزمة من الإشارات" تخبره ماذا تعني الإيماءة أو
الحركة, فيكون قادراً على معرفة تصرفاتهم الغير لفظية , مثل تخمين ما يفكر
به لاعبي ورق البوكر مثلاً .