حين تراكمت الخسائر وبدأت الشركة في
الانهيار، كان من الطبيعي أن يقاسمني شريكي الخسارة ونفض الشركة، ويذهب كل إلى حال
سبيله. لكنه تشبث بي لسبب غامض عارضا أن يتحمل الخسارة وحده. ولسبب أكثر غموضا
رفضت عرضه وقررت الاحتفاظ لنفسي بملكية الشركة الخاسرة. احتدم بيننا الجدل وتساءل:
-
لماذا لا تنفصل أنت وأشتري نصيبك ؟
تعجبت لمنطقه المعكوس الذي لا يخالف في
حقيقته منطقي أنا الآخر: شريكان يتشبث كل منهما بتحمل الخسارة سواء بمفرده أو
مناصفة مع الآخر.
قلت له وكلانا يغالب دهشته القدرية:
- انفصل أنت وسأدفع لك ما تطلب !
أجاب في ذهو ل مطابق لذهو لي:
- دعني أفكر ليومين قبل أن أعطيك إجابتي
الحاسمة.
وكان قد سبق ذلك اللغز الإنساني إعلانات
عديدة عن عرض هذه الشركة للبيع، لكن أحدا لم يتقدم لشرائها بسعر مناسب.. بل إن
مشتريا جاءني ذات مساء حين ظننت لأول وهلة أنه سيعرض ثمنا معقولا، لكني فوجئت به
يقول لي بوقار غير مصطنع:
- كم تدفع حتى أقبل تنازلك لي عن هذه
الشركة ؟!
لم أنفعل بغضب أو دهشة، وإنما رحت أفكر
بموضوعية شديدة البرودة في عرضه الغريب.
بعد قليل سألته بحياد تام:
- أنا البائع وأنت المشتري فبأي منطق أدفع
لك ؟
أجاب بثقة مطلقة:
- لست على استعداد للحوار بأي منطق، إما
أن تقبل وإما أن ترفض، وما بيننا يفتح الله.
أصابني ثباته اللا متناهي بالتردد، فلعله
على حق في ضرورة أن أدفع رغم جهلي التام بالسبب.
حسمت الأمر بقولي:
- دعني أفكر، أمهلني يومين قبل أن أعطيك
الإجابة.
لم يكن من العقل في شيء أن أحكي لشريكي
قصة هذا المشتري البائع الذي يتحدث بحكمة سليمان. قررت أن أتكتم الأمر ولكني كنت
أغالب في نفسي ميلا شديدا لتسليم الشركة بأصولها كاملة لهذا الرجل بعد أن أدفع له
ما يريد.
جلست في الموعد المحدد أنتظر الرجلين. في
غمرة شرودي برقت في ذهني فكرة قدسية دفعتني من مكاني إلى عرض الشارع أركض في لهفة
باحثا عن أقرب مسجد. توضأت بشغف، وأمام القبلة توجهت إلى من لا شريك له، صليت
ركعتين استخارة، توسلت لجلالته أن يجعل لي آية حتى أحسم أمر هذه الشركة المحير،
وعدت إلى مكتبي تحملني أجنحة لا أراها وتحف بي هالة من نور.
في البدء جاءني الحكيم فصرفته بأدب حين
قال لي بإشفاق:
إني أرثي لحالك !
ثم جاءني الشريك فسألته:
كم تطلب ؟
أما زلت مصرا ؟!
نعم.
أطلق رقما خياليا يفوق ضعف قيمة الشركة
حتى يضمن بقائي شريكا له. أصابه ذعر شديد حين قبلت العرض وأضفت إليه نسبة من عندي
!
أصابه وجوم شديد بعد أن وقعت له الشيكات،
قبل أن ينصرف سألني بمشاعر لمحت فيها المودة ممزوجة بالحسد:
لماذا تفعل هذا بنفسك ؟!
كان النور طاغيا وكنت أستمع في نشوة إلى
رفيف الأجنحة، وأجبته بفرحة كونية دون أن أراه:
لقد اهتديت إلى الشريك.
إرسال تعليق