درة.. حينما قدمت صعوبة "حبيبة" بسلاسة وأثبتت أنها نجمة الأدوار الصعبة في "بلا دليل"




مع بداية عرض حلقات مسلسل بلا دليل قررت مشاهدة العمل، والكتابة عنه، ومنذ الحلقة الأولى شعرت بعمل مختلف أثناء استعراض الشخصيات الرئيسية، ولكن هناك من جذبني بشكل خاص وهو دور درة، أو حبيبة، الشخصية كانت تشبه الجملة الشهيرة التي نراها أمامنا "الأشياء التي تراها ليست كما تبدو"، فتاة تعيش عزلتها الخاصة رغم المئات حولها، عالمها بني بأسوار على شكل مثلث يحمل ثلاثة أحرف تكون كلمة هنا هو اسم ابنتها، الفلك التي تدور فيه الشخصية.


شخصية حبيبة لها عدد كبير من المحاور والتداخلات، فهي أكثر الشخصيات التي بلغة السينمائيين "من لحم ودم" شخصية حقيقية، تعيش أحلام ابنتها، ومعاناة زوجها، وآلام الماضي، وربما أخطاء المستقبل، وسجن أزمتها النفسية، ولكن الملفت أن الشخصية لم تكشف بعد، ففي أول إثنى عشر حلقة نظرت لها بشكل، ومنذ الحلقة الثالثة عشر تغير وجهة نظر قليلًا، والصعوبة هنا أن تتمكن درة من التعامل مع الشخصية بهذا الشكل من التحول، والحفاظ على أحاسيس كل فترة للشخصية هو واحد من أصعب ما يواجه أي فنان في التعامل مع دور.


على الرغم من الاختلاف والتنوع في مشاعر وخطوط الشخصية الدرامية، يظل لدي عدة أشياء يجب التحدث عنها، الأولى قدرة درة الكبيرة على إبراز مشاعرها من خلال نبرة صوتها وقدرتها على تنويع النبرات لخدمة الحالة النفسية التي تعيشها الشخصية، الحركة العصبية التي تقوم بها الشخصية، في البداية شعرت أنها تعبث بخاتمها، ولكني حين قرأت في لغة الجسد كان يعني أنه انعكاس لحالة توتر ومحاولة الشخص لا خفاء شيء، هناك أمر أخر مهم أن الشخصية في ملامحها بسيطة وغير متكلفة، وهو ما يتماشى مع الماضي الخاص بالشخصية.
الشخصية قد تكون مخيفة لأي فنان يتعامل معها، لأنها تحمل الكثير من المشاهد والانفعالات، وحتى التغير المفاجئ في الانفعال في نفس المشهد، لا يهمني كيف صور ولكن الأهم أن الشخصية لم تتبع لاين ثابت وتسير عليه، بل تتبع الموقف وهو ما زاد من واقعية الدور وصدقه.


درة واجهة دور من أصعب الأدوار التي جسدتها، ولكن أرى أنها اثبت أنها من أهم الفنانات على الساحة الفنية مؤخرًا، أثبتت قدرة كبيرة على الاختيار، وعقلية واعية وذكاء فني مكنها من اختيار الدور بعناية، كاريزما وقبول كبير يضعها من الفنانات اللاتي يجب أن يكون هناك أعمال باسمهن، والأهم أنها أثبتت أنها فنانة مختلفة، وموهوبة، تمتلك قدرة كبيرة على التعامل مع الأدوار الصعبة، بل وبإمكانها أن تصنع مشاهد تعلق في الذاكرة، فهناك عدة مشاهد علقت في ذاكرتي، انهيارها حينما دخلت ابنتها في صدمة، مشهد بحثها عن ابنتها في بداية العمل، والكثير من المشاهد التي تعلق في الذاكرة.
وهناك أمر أيضًا جذبني أنها لا تتعامل مع مشاهد الحزن فقط بانهمار دموعها فهذا هو الطريق الأسهل، ولكنك تشعر جسدها ينتفض، وعينيها تملأوها الخوف، وأحيانًا لا يطاوعها لسانها في استكمال الجمل، ربما يمكن القول أ، تلك إحدى الوقائع السحرية الخاصة بدرة.


كنت أهم لاختتام المقال، ولكني تذكرت تفصيله لم أتطرق لها وكنت سأكون مخطأ لو انتهيت دون سردها، درة تمكنت في هذا العمل من التعبير عن المشاعر بعينيها، فرأينا لحظات الانكسار في عينيها، والحزن، والخوف، والحب، وحتى الكره، وهذا هو الجانب المهمل لأي فنان، ولكنها تمكنت منه وطورته بشكل كبير، دائمًا ما كانت من الفنانين الاتي يمكن أن ترى مشاعرهن في نظراتهن، ولكن هذا العام، هناك تمكن أكبر في التعامل مع نظراتها، ولا أعرف إن كانت تخضع لتدريبات صوت أم لا، ولكن 99 في المئة من فنانين الوطن العربي يواجهن مشكلة في الانفعال تجد تلعثم وكلمات تخرج غير واضحة، ويبدوا أنها تسعى للتطور دائمًا فلم يفت هذا الأمر وكانت واحدة من أكثر الفنانات تمكنًا من انفعالاتهن على الإطلاق، ولا يمكن أيضًا أن نغفل تدربها على ألة الهارب، حيث رأى المشاهد وكأنها تسبح في حالة نفسية منفردة أثناء العزف، وكانها مارستها طوال عمرها، وهو أمر قليلًا ما نشاهده في الدراما.


في النهاية: درة دائمًا ما تبهرني بأدوارها ولكنها طوال الوقت تبرهن أن ذكاء الفنان جزء من خلطة نجاحه، وهي فنانة تتمتع بذكاء كبير، وقدرة كبيرة على التطور، لا يمكن أن تتابعها إلا وتجد قفزات لها من عمل لأخر، لتظل دائمًا الرهان الناجح، والنجمة المختلفة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال