نسرين طافش.. عندما أثرت العقول في "ألف ليلة وليلة" وحلقت بموهة استثنائية من زمان مختلف




نسرين طافش، أو "أفنان وكليلة" الشخصيات اللاتي جسدتهن نسرين في العمل، فهما شخصيات توأم، ولكنها مختلفان تمام الاختلاف، أفنان فتاة حالمة، منطوية، تعلمت السحر الأسود ولكن فيها شيء من نقاء الكون، وخضار الزروع، وبساطة متناهية، فتاة ملامحها هادئة، حتى في انفعالاتها وابتسامتها المتوارية، ونظراتها الخجولة أمام من تحب، أضافت نسرين للشخصية تسرع وتوهج معدومة الخبرة في التعامل مع الرجال، تنفعل سريعًا، حتى أن الشكل الخاص بالشخصية ينم عن فتاة عزباء.
أما كليلة فهي فتاة صالت وجالت، تعرف كيف يتوهج الرجال أما حسنها، وكيف يضعفون أمام سحرها الخاص، تتمايل فيتهافت الرجال من حولها، تحمل حقد دفين، وكأن كل من مر عليها ترك جزء من السوء بداخلها، فكانت شخصية تشبه الزجاج فهي براقه ولكنها بلا قيمة، الشخصيتين مختلفتان تمامًا عن بعضهما البعض، فهما كالأسود والأبيض، حتى أن اللون الرمادي لا يناسبهما، الجيد في أداء نسرين قدرتها على تقديم هذا الاختلاف الضخم بين الشخصيتين، حتى أدق التفاصيل بينهما، فهناك واحدة تنظري بخجل، والأخرى يملأها الشر من نظراتها، حتى أن لغة الجسد الخاصة بالشخصيتين مختلفة تمامًاـ في حركاتهما، وردود أفعالهم، وكأن العمل يأتي أمامي ليؤكد أهمية ما قد كتبته في السابق ثقافة الفنان، تجعله يمتلك تلك القدرة على الاهتمام بالتفاصيل وإدراك أبسط الأشياء في تكوين الشخصية.


نسرين استطاعت أن تبني كل شخصية على حدا، ولم تخلط حتى في أبسط التفاصيل، أو تسهو فتجد حركة جسد، أو نظرة لا تنتمي للشخصية بل تعاملت معهم باحترافية شديدة، وربما تكون المرة الأولى التي أرى فيها فنان عربي يتعامل بهذا الكم من الاحترافية مع دوره.


كما قدمت نسرين في شخصية كليلة استعراضات جيدة للغاية، وهي إحدى الفنون التي تزيد من قدرتها على التنوع في أدوارها، وكانت كليلة شخصية جريئة، واستطاعت أن تقدم تلك الجراءة بشكل جيد ودون زيادة بل بإتقان شديد.


وهناك مشاهد جذبتني في الشخصيتين، وإن كان الأقرب لقلبي أفنان، فمشاهد الرومانسية كانت جيدة للغاية، ومليئة بمشاعر صادقة، وزادت من صدقها لغة الجسد والنظرات، ونبرات الصوت التي استخدمتهم نسرين بشكل جيد للغاية في صالح الشخصية، وقد أفاد نسرين كونها تغني على التحكم في نبرات صوتها، وكونها فنانة على إبراز المشاعر من خلال الصوت، وربما هذا الأختبار أقوم به مرارًا وهو مشاهدة عمل ثلاث مرات للحكم على أداء أي فنان، مرة صوت بلا صورة لأرى قدرته على إبراز المشاعر والحالة النفسية من خلال صوته، وقدمته نسرين ببراعة، وصورة بلا صوت وكانت انفعالاتها جيدة للغاية، وقدرتها على التحكم في عضلات الوجه، وتصديق حالة الشخصية النفسية والتي تنعكس على لغة الجسد فيصلك حالة الشخصية، والمرة الثالثة أشاهد العمل صوت وصورة، وبالفعل استطاعت نسرين أن تطوع كل أدواتها في خدمة الشخصية فأجادت.


نسرين طافش إحدى النجمات التي لا يمكن أن يغفل أحد نجوميتهم، ودائمًا ما يرى الجمهور موهبتها وجمالها، لا يمكن أن نتحدث عن القبول والعفوية والكاريزما التي تتمتع بهما نسرين، ولكن هناك ما تملكه ولا يمتلكه الكثيرون نسرين تمتلك عقلية فنية تشبه نجوم هوليود، تغني، وتمثل، وتقدم استعراضات ولها جوانب أخرى بعيدًا عن التمثيل أو الفن تكون حاضرة فيها، فعقلية نسرين في الحقيقة هي الجاذبية الأقوى لديها، تتعامل مع أدوار متنوعة، ولهجات مختلفة، بإتقان شديدة تارة عمية، وتارة فصحى، وأخرى بلهجات ولكنات مختلفة، وكأنها تتحدث عن كونها فنانة عربية لا تنتمي لبلد قدر انتمائها للوطن العربي، وهي إحدى الميزات التي لا يمتلكها غيرها.


في النهاية: نسرين قدمت دور صعب ومجهد بمنتهى الاحترافية والإتقان، تعاملت مع أبعاد الشخصيات، ولغة جسدها، وحتى النبرات والنظرات لم تغفلهم، والحقيقة أنني أندهش دائمًا من مشاهدتها، فتنوعها جيد، وأدائها متقن، وإحترافيتها فريدة من نوعها
أحدث أقدم

نموذج الاتصال