تدخين النساء: المخاطر والوقاية



كان يظن أن تدخين النساء أقل ضرراً منه عند الرجال، وزال هذا الوهـم، بل صار تدخين النساء أقبح وأفدح. ففي الوقت الذي لم يكن فيه التدخين منتشرا عند النساء على النحو الذي نشهده اليوم، اعتبرت النساء وقتئذ أنهن محصنات ضد الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية بالإضافة لسرطان الرئة.

بيد أن الوضع حاليا بدأ يختلف، فالتدخين يتسبب في وفاة أكثر من نصف مليون امرأة سنويا في الدول الصناعية، فضلا عن أنه أحد الأسباب المهمة والأكيدة لاعتلال الصحة عند النساء في البلاد النامية.
مساواة في الضرر
لقد لوحظ في الدول التي ابتدأت فيها النساء بالتدخين على نحو مبكر، كبريطانيا والولايات المتحدة، أن التدخين يسبب عند النساء نفس الأمراض التي يسببها عند الرجال، وأن نسبة الوفيات الناجمة عنه متقاربة جدا، ويقدر بأنه حوالي 20 - 25% من المدخنات يتوفين بسبب التدخين، في ثلث هذه الحالات تكون الوفيات دون سن الـ 56 سنة من العمر. وتقدر الإحصاءات أن التدخين عند هؤلاء النسوة مسئول عن 40 % من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب، وعن 55% من الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية stroke، وعن 80%من الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة، وعن 30% من الوفيات الناجمة عن السرطان عموما. كما لوحظ تضاعف نسبة الوفيات بين النساء والناجمة عن سرطان الرئة خلال العشرين سنة الأخيرة، وذلك في كل من اليابان والنرويج وبولاندا والسويد وبريطانيا، كما تضاعفت هذه النسبة مرتين في كل من استراليا والدانمارك ونيوزيلاندا، وتضاعفت ثلاث مرات في كل من كندا والولايات المتحدة.
كما وجد أن هناك تزايدا مستمرا في الإصابة بسرطان الجهاز التنفسي عند النساء، وذلك في المجتمعات المتقدمة. وقد بدا واضحا أن التدخين، بالإضافة لعوامل أخرى كتلوث البيئة، هو المسئول الأول عن هذا التزايد. فمثلا في الولايات المتحدة لم تزد نسبة الإصابة بسرطان الرئة بين النساء غير المدخنات خلال العشرين سنة الأخيرة، في حين أن هذه النسبة ازدادت حتى الضعف عند المدخنات. كما اعتبرالتدخين سببا مهماً في حدوث السرطان في العديد من الدول المتخلفة، ففي دول شرق آسيا يقدر بأن أكثر من 58% من سرطان الفم عند النساء ناجم عن استخدام التبغ.
إضافة لما ذكر فإن التدخين بتأثيره السلبي على بعض الأعضاء الخاصة بالمرأة، يضيف مخاطر أخرى للنساء دون الرجال. فالمدخنات يصبن بسرطان عنق الرحم بنسبة أعلى من غير المدخنات، وكذلك المدخنات اللواتي يسخدمن حبوب منع الحمل يصبن بالأمراض الوعائية القلبية بنسبة تبلغ عدة مرات أكثر من غير المدخنات، كما وجد أن التدخين يؤثر سلبا على وظيفة الإنجاب عند المرأة، كذلك يزيد من خطر حدوث الإياس menopause المبكر والإسقاطات والولادة بأجنة ذات وزن منخفض. و لاينكر مساوىء ذلك خصوصا في الدول النامية حيث إن الجنين يكون مهدداً أصلا بالإصابة بأمراض سوء التغذية. كما لوحظ أن التدخين يسبب حدوث وهن العظم osteoporosis مما يهيء لحدوث الكسور عند المسنين خاصة بعد سن الإياس عند النساء.
يجب التنويه إلى أن صحة المرأة تصاب أيضا من جراء تدخين الآخرين، أو ما يسمى بالتدخين السلبي passive smoking، فقد وجد مثلا أن زوجات المدخنين بشدة، بالرغم من أنهن غير مدخنات يصبن بنسبة عالية بسرطان الرئة. وبالإضافة لهذا التأثير المباشر، فإنه يجب ألاّ ننسى التأثير غير المباشر بما يسببه التدخين من عبء اقتصادي ينعكس أثره السلبي على كل أفراد الأسرة.
في مجال الوقاية يجب العمل على صعيدين، أولهما إنقاص نسبة المدخنات المرتفعة أصلا في الدول الصناعية، وثانيهما بذل الجهود للحيلولة دون ازدياد نسبة المدخنات في الدول النامية. ولتحقيق هذين الهدفين يجب تطوير برامج توعية ضد التدخين يمكنها من مخاطبة كل النساء وعلى مختلف الأصعدة، وبشكل يتناسب مع المستويات الثقافية المتفاوتة جدا. والمكافحة الناجعة للتدخين يجب أن ترتكز على عناصر ثلاثة هي: الوقاية والتوعية والدعم.
بادىء ذي بدء يجب حماية الفتيات وكذلك النساء غيرالمدخنات من التورط بعملية بدء التدخين. ولفهم هذه المسألة يجب أن نشير إلى أن شركات صناعة التبغ ذات رأس مال يبلغ مليارات الدولارات، وهذه الشركات مهددة بالخسارة، حيث إنه على المدى الطويل فإن ربع المدخنين يموتون بسبب التدخين، وهذا يقلل من عدد زبائن شركات التبغ تدريجيا. لذلك ولكي تضمن هذه الشركات استمرار أرباحها كان عليها أن تضمن على الأقل 2.7 مليون شخص كمدخن جديد سنويا، وأكثر هؤلاء هم من الشباب. ومن الواضح أن النساء كنّ أكثر ضحايا الإعلانات المروجة للتدخين وذلك في الدول الصناعية والنامية على حد سواء.
وتعتبر توعية المرأة بمضار التدخين حقا من حقوقها التي على الدول أن ترعى لها هذا الحق وذلك من أجل مقاومة دعايات ترويج التدخين. وقد وفّرت العديد من الدول برامج تثقيفية مدرسية لعبت دورا ناجحا في الإقلال من نسبة المدخنات في تلك الدول. إلا أن هذه البرامج يجب ألاّ تقتصر على المدارس فحسب، بل يجب أن تتعداها إلى أماكن عمل النساء فضلا عن المراكز الصحية الأولية. إلا أنه ولسوء الحظ فإن كثيرا من النساء، وعلى نحو مخالف لما هو عليه عند الرجال، لا يتوافر لهن الوقت الكافي للانخراط في مثل تلك البرامج. وقد لوحظ أنه في الدول التي انخفضت فيها نسبة المدخنين كان هذا الانخفاض أقل عند النساء مما هو عليه عند الرجال، وعلى نحو أقل عند النساء ذوات الثقافة المنخفضة والدخل المنخفض. وفي ذلك دلالة على أن التثقيف له دور مهم في عملية الوقاية من التدخين، بالاضافة إلى مناقشة بعض الأمور المرتبطة بمرحلة ما بعد إيقاف التدخين مثل مشكلة ازدياد الوزن الذي قد يحدث أحيانا بعد وقف التدخين.
الاستمرار
لكي تقلع النساء عن التدخين، مع الاستمرار في هذا الإقلاع، فإنهن يحتجن إلى دعم نفسي ومعنوي، خصوصا خلال الأيام الأولى، وذلك ريثما يتم التغلب على حلقة الإدمان. وهذا الدعم يجب أن يشمل التغلب على بعض ظروف الشدة stress المحيطة التي كانت تدفعهم للتدخين، وذلك بعد أن يتم التعرف على هذه الظروف والتي تختلف من مجتمع لآخر. ففي الدول الصناعية يعتبر الفراغ ثم المشاكل النفسية والعاطفية من أهم ما تعانيه فتيات تلك المجتمعات في حين تسبب الظروف الحياتية الصعبة المتمثلة في قلة الدخل أحد أهم معاناة المرأة في المجتمعات النامية.
أخيرا، فلقد وصل التدخين عند النساء في بعض المجتمعات إلى حد يجب اعتباره كظاهرة وبائية مستمرة في التفاقم، مالم تتخذ الإجراءات الرادعة واللازمة لإيقافها. وأن التأخر في اتخاذ مثل هذه الإجراءات سوف يجلب لنا مزيدا من المعاناة، فضلا عن وجود المزيد من حالات الوفيات بين النساء
أحدث أقدم

نموذج الاتصال