أية لعب تختارونها لأولادكم
يبدو الموضوع بسيطا، لكنه ينطوي على أهمية كبيرة في النمو النفسي للطفل، مما يستدعى وجود أقصى اهتمام من الأبوين. لدى الأولاد حافز طبيعي إلى اللعب، وهو يشكل جزءا مهما من حياتهم.
فاللعب هو الطريقة التي يخلق بها الأولاد عالمهم الخاص من الاستكشاف والتخيل. اللعب بالألعاب يحول العالم إلى عالم بحجم الأولاد، عالم يستطيع الولد أن يديره ويسيطر عليه. ينمي العضلات وينسقها، يعزز الألفة بين الأولاد يفحص الحدود بين الواقع والخيال ويساعد الأولاد على أن يتعلموا الاتصال أحدهم بالآخر، يتبادلوا الأدوار، ويشارك أحدهم الآخر. اللعب يحرك الخيال ويمنح خبرة في مهارات حل المشاكل.
كانت اللّعب مهمة أيضاً للأولاد في زمننا نحن الآباء، فالدمى المخشخشة، الصفارات، الحيوانات اللّعَب، الكلل، اللّعب التي تجر، الأطواق، العربات ذات الدواليب، الدواب، كلها كانت مساعدا قيماً على تنمية العقول والعضلات وتطوير مهارات مهمة. واللّعَب المنشطة والمثيرة والمثقفة لا تزال تلعب دوراً مهماً اليوم. ولكن هناك مجموعة مذهلة من الدمى في السوق ذات قيمة مشكوك فيها. فقد صار لَعِب الأولاد اليوم تجارة كبيرة. عالم اللعب يحكمه، لا الأولاد ولا الوالدين، بل أصحاب المصانع، الباعة بالمفرق، أصحاب الإعلانات، والباحثون المهرة في التسويق. ويقومون بتكنولوجيا جديدة لصنع اللعب وبدعم وسائل الإعلام القوية يغيرون مفاهيم عالم اللعب مما ينذر بعواقب خطيرة على الوالدين والأولاد على السواء.
سلطة الإعلان
لاشك أن كثيرين من العاملين في صناعة اللعب لديهم اهتمام حقيقي بسلامة الأولاد. ولكن في أغلب الأحيان تكون الأولوية للربح. ولا تصبح المسألة الأساسية تثقيف الطفل بألعاب مثقفة، بل أية لعب ستروج؟، وما سيروج ليس الدمى المصنوعة من القماش أو الخشب أو البلاستيك التي للزمن المنصرم بل التكنولوجيا المتطورة هي التي ستروج، لعب حقيقية تترك القليل من الثقافة أو لا شيء لخيال الولد.
إن مدونة حمورابي القديمة اعتبرت بيع أي شيء للولد جريمة تستحق عقاب الموت، لكن أصحاب مصانع اللعب وأصحاب الإعلانات اليوم لا يردعهم بيع اللعب غير المفيدة الغالية الثمن للأطفال. ويستعمل صانعو اللعب أساليب البحث والتقنية المعقدة، كي يتوصلوا إلى فهم فكر الأولاد. ويضيفون باستمرار تنوعاً جديداً إلى منتوجاتهم، يمكن أن يجعلوا موضة السنة الماضية تبدو عتيقة الطراز، وموضة هذه السنة تبدو لا غنى عنها.
ويلعب التلفزيون بإعلاناته دوراً مهماً في جذب انتباه الأطفال نحو اللعب فتغريهم بشتى الوسائل، فيعتقد الطفل بذلك أنها لعبة ثمينة وممتازة ومثقفة، غير أن هناك فئة تعرف الحقيقة بأن هذه إعلانات مزيفة فقط، وهناك. دراسات كثيرة لكن الأولاد المعرضين للإعلانات التجارية يلحون على والديهم كي يشتروا المنتوجات المعلنة، فمثلاً بعضهم يقول: راقبوا فقط كيف يشد الأولاد ثياب والديهم تعرفون ماذا يقولون: (إن لم أحصل على هذه اللعبة، فسأموت).
والأهل ليسوا ملزمين بأن ينفقوا أموالا طائلة على أجهزة التكنولوجيا المتطورة، فبعض الألعاب المثيرة والمفيدة أكثر تكون بأسعار معقولة. إن صندوقا كرتونيا يمكن أن يتحول إلى بيت صغير للعب، طائرة، أو أي شيء يمكن أن يتصوره خيال الولد الخصب، يستطيع مثلاً بدلو ومجرفة أن يبني قصوراً رملية، ومكعبات اللعب البسيطة، لعب تركيب الصور المقطوعة، المعجون، وأقلام التلوين يمكن أن تزود أيضاً ساعات من الاستجمام المفيد. وبالنسبة للأولاد الأكبر سناً يمكن لأدوات الرسم وألعاب التركيب والأشغال البسيطة أن تعلم مهارات مفيدة وتفتح منفذاً سليما للإبداع، وهذا أجدى بكثير من إطلاق النار على صور شاشة الفيديو.
وبعض أشكال اللعب لا يتطلب تجهيزات خصوصية على الإطلاق فالسير على الشاطىء يمكن أن يكون مغامرة مثيرة للولد، وخصوصا عندما يرافقه والد محب ويقضي وقتاً طويلاً مع الولد. وحتى المهارات المنزلية الأساسية يمكن أن تعلم كنشاطات مسلية. مثل إعداد وجبة، أو الاعتناء بالأزهار، أو تنظيف السيارة، أو دهن السقف والقيام بالتسوق أو غسل الطفل يمكن أن تكون كلها أعمال غير محبوبة بالنسبة إليكم، ولكن بالنسبة إلى الولد قد تكون بين أشكال اللعب الأكثر إثارة.
اقتراحات
لا يمكننا أن نلغي دور اللعب المصنعة فقد تكون ملائمة ومرغوبا فيها تماماً. وإذا كانت ميزانية العائلة تسمح فإنني سأقوم بطرح أسئلة عليها تكون مساعداً في شراء الألعاب المفيدة.
1) هل تثير اللعبة حقاً فضول وخيال الولد؟ إن لم تكن كذلك، فسيسأم منها بسرعة. وقد تبدو اللعبة حسنة في الإعلان التجاري التلفزيوني، ولكن يجب الانتباه إلى أن الممثلين والممثلات الأولاد يتقاضون أجراً لكي يظهروا منبهرين باللعب، وقد لا يتجاوب الولد بالطريقة نفسها. فحاولوا مراقبته في اللعب أو في متجر اللعب. إلى أي نوع من الألعاب ينجذب؟ وقد يشعر الأهل أن لا قيمة للعبة إلا إذا كانت مثقفة، إلا أن هذا لا يمنع من أن يتعلم الأولاد من كل اللعب التي يلعبون بها. والمهم هو انهم يتمتعون بحيث يستمرون في اللعب وبطرق مفيدة لهم.
2) هل اللعبة ملائمة لقدرات الطفل الجسدية والعقلية? أحياناً لا يكون الطفل قويا وصبوراً ورشيقاً بما فيه الكفاية ليستعمل لعبة معينة، ولكن يمكن أن يميل الوالدان إلى شرائها لأن فيها جاذبية معينة تثير الحنين إلى الماضي. ولكن هل يمكن لصبي في عمر ثلاث سنوات أن يشغل فعلاً جهاز قطار كهربائي؟ فعلينا أن نصر حتى يكبر الطفل ويستطيع أن يشغل مثل هذه الألعاب.
3) هل اللعبة آمنة? الأولاد الصغار الذين يخطون أولى خطواتهم على الأرض يميلون إلى وضع كل شيء في فمهم ويمكن بسهولة أن يختنقوا بمكعبات اللعب الخشبية مثلاً أو الأشياء البلاستيكية الصغيرة، ويمكن أن تكون الشفرات الحادة أو المسننة الرأس خطرة على الأولاد بأي سن كانوا ـ وعليكم أن تسألوا أنفسكم عما إذا كانت اللعبة على الأرجح سيتخلص منها أو تستعمل كسلاح ضد أحد الأشقاء. وإذا كانت لديكم شكوك تتعلق بلعبة ما، فحاولوا أن تسألوا البائع في المتجر عما إذا كان هناك نموذج للتجربة التوضيحية متوافر من أجل التوضيح.
4) هل تستحق اللعبة قيمة المال المدفوع؟ نادراً ما تتكلم الإعلانات التجارية التلفزيونية عن السعر، لكن اللعب مكلفة حقاً، ومعظم المال ينفق على الاسم التجاري دون فائدة تستحق كل هذا المال. علموا أولادكم أن يكونوا متسوقين أذكياء. يمكنكم أحيانا أن تجلبوا انتباه ولدكم مسبقاً إلى سبب كون لعبة معينة مصنوعة بغير إتقان أو مروجة بطريقة خداعة. ويصير الأولاد مستهلكين حاذقين أكثر عندما يدفعون هم المال عوضا عنكم. طبعا، إن القيمة الحقيقية للعبة تشمل أكثر من موادها أو جودة صنعها. فإلى أي حد سيستعملها ولدكم?، وإلى أي حد ستجلب له المتعة?، فمثلا الأراجيح في حديقة المنزل غالية الثمن نسبياً، ولكن يمكن أن تعيش إلى فترة طويلة، واللعبة الرخيصة التي ترمى بسرعة فيها تبديد للمال على المدى الطويل.
5) أية قيم ومقاييس تعلم اللعبة? يجب أن تثير اللعب خيال الأولاد بطرق إيجابية وليست سلبية، تجنبوا اللعب المخيفة، التي تعزز العنف بوضوح، أو التي تقلد رذائل الراشدين، كالمقامرة، ومع أنه قد لا ينتبه البعض إلى العنف في بعض الألعاب فان البعض الآخر أحيانا يسيرون على معتقداتهم الخاصة عوضاً عن التسبب بإغاظة الولد، ولكنهم بذلك قد يتسببون بأذى كبير للولد، فعندما نعطي اللعب للأولاد، فمعناه أننا نؤيد ما تمثله اللعبة. صحيح أن هناك قلة من الأولاد الذين يسلكون حياة الجريمة لمجرد أنهم لعبوا لعبة عنيفة، فما الهدف من مثل تلك الألعاب? هل تريدون أن يعتقد الأولاد أن العنف لهو أو أن القتل مثير? إن بعض الدراسات تظهر انه كلما انهمك الأولاد وقتاً أطول في اللعب العنيف دون اعتراض الوالدين، كان ذلك تشجيعا لهم على الاستمرار في تلك الألعاب، فهل يمكن أن يحصد الولد الصفات الجيدة للشخصية من اللعب العنيف؟ ولكي نكون منصفين يجب الاعتراف بأن بعض الأولاد يربطون حقاً بين أصوات وصور التدمير والقتل على شاشات عرض ألعاب الفيديو، أو أية لعبة عنيفة، العنف في الحياة الحقيقية، لذلك يجب أن يقرر الأهل ما هو الأفضل لأولادهم ويمارسوا حذراً كبيراً في اختيار اللعب لهم.
6) هل أريد حقاً أن يحصل ولدي على هذه اللعبة? قد تشعرون بأن ولدكم لديه لعب كثيرة جداً، وهي ليست عملية لظروفكم، أو اللعبة تسبب ضجيجاً لدرجة لا يمكن تحمله. وإذا لم يكن بالإمكان حل مثل هذه المشاكل، فقد لا يكون لديكم خيار سوى أن تقولوا لا. وهذا ليس سهلاً. ولكن الاستسلام لكل نزوة أو رغبة للطفل لن يساعد أن يصبح ذا رأي راشد متزن، وليس من المنطق أيضاً أن تكونوا متعسفين معهم، فالأمر يلزم أن تجلسوا مع ولدكم وتوضحوا باعتناء كبير سبب عدم رغبتكم في إعطائه لعباً معينة. فيما تكون اللعب أدوات ذات قيمة للتثقيف والتسلية، فهي مجرد أشياء عديمة الحياة. ويمكن أن يحب الولد لعبة ما، ولكن لا يمكن للعبة أن تحب الولد. والأولاد يحتاجون إلى عناية جيدة يمكن للوالدين فقط أن يمنحاها، فمن حيث الأساس الوالدان هما أفضل مصدر للعب موجود بالنسبة للولد، فعندما يلعب الوالدان مع أولادهما فإن ذلك يساعد على تشكيل رباط عاطفي حميم بينهما وبين أولادهما ويساهمان بحق في بناء عواطف سليمة لدى أولادهما. حقا، يحتاج الأولاد إلى لعب مفيدة، لكن الأهم هو العناية والتدريب المتواصلين. ومنح مثل هذه الأمور يستغرق وقتا وجهدا كبيرين. ولكن على المدى الطويل تجلب للولد متعة دائمة أكثر مما يمكن لأية لعبة أو دمية أن تفعله.
إرسال تعليق