أبو الحسن علي القيرواني الحصري نُكب في
طفولته بفقد أمه وفقد بصره ثم فقد أبيه في مطلع شبابه. عاش في القيروان واشتغل
بالتدريس ونظم الشعر ثم انتفل الى سبتة ولمع نجمه في عالم الشعر، ثم عاد الى طنجة
ومكث فيها حتى وفاته.
وقصيدة "يا ليل الصب" من
أشهر قصائد الحصري، مدح فيها الأمير أبا عبد الرحمن محمداً بن طاهر صاحب مرسية. والأبيات
بين أيدينا تمحورت حول معاني الغزل التقليدية: الصبابة وما تسببه من الأرق والقلق،
والعيون وما تنصبه من شرك، والشوق وما يفعله بالدموع. ومما يلفت النظر في هذه
القصيدة كثرة ما عورضت بمن القصائد وممن عارضها من شعراء العصر الحديث: أبو القاسم
الشابي وأحمد شوقي وبشارة الخوري.
يا
ليلُ الصبُّ متى غدُه أقيامُ السَّاعةِ
مَوْعِدُهُ
الصبّ
هو العاشق، غده: موعده
الشرح: بدأ الشاعر قصيدته بنداء الليل: "يا
ليلُ الصبّ"، ثم وجّه له سؤالًا؛ متى غده"؟ فـ"صبُّ" ليست
مضافة إلى "ليلُ"، فكلاهما مرفوعان. يقول: يا ليل، متى لقاء الحبيب؟ متى
تأتي الليلة التي يكون غدها لقاءه؟ أم أن لقاءه بعيدٌ جدًا كقيام الساعة؟
الإعراب
ليل:
منادى مبني على الضم في محل نصب
الصورة
الفنية: شبّه الشاعر هنا الليل بإنسان يخاطب ويسأل عن موعد لقاء المحبوبة.
رقدَ
السُّمَّارُ فأَرَّقه أسفٌ للبيْنِ
يردِّدهُ
السُمَّار:
جمع سامر، الساهر ليلاً
البين:
الفراق
رقد:
نام
الشرح:
"رقد السُّمّار" والسَّمَرُ هو السَّهر آخر الليل للحديث. فيقول مخاطبًا
الليل: حتى السّمّار رقدوا والجميع ناموا إلا أنا؛ أرّقني فراق حبيبي.
الصورة
الفنية: شبّه الأسف بشيء مادي يتعب منه.
المحسن
البديعي هنا التصريع أما سر جماله فهو ليعطي جرساً موسيقياً.
فبكاهُ
النجمُ ورقَّ له ممّا يرعاه ويرْصُدهُ
الشرح:
يصف الشاعر حاله الحزينة وسهره المرير، يُقَلِّبُ بصره في السماء ينظر النجوم
ويرصدها، حتى النجومُ بكت عليه ورقّت لحاله ولطول نظره إليها
الصورة
الفنية: شبه النجمَ بانسان يبكي (استعارة مكنية)
المحسن
البديعي: يرعاه= يرصده (ترادف)
الفكرة:
الحب وما يسببه من أرق للشاعر
كلِفٌ
بغزالٍ ذِي هَيَفٍ خوفُ الواشين
يشرّدهُ
كلف:
متعلق
هيف:
رقيق الخضر
الواشين:
الحساد
الشرح:
يصف الشاعر حاله الحزينة وسهره المرير، يقلب بصره في السماء يناظر النجوم ويرصدها،
حتى النجومُ بكت عليه ورقّت لحاله ولطول نظره إليها.
الصورة
الفنية: شبّه المحبوبة بالغزال.
خوف
الواشين كناية عن رقة هذه المحبوبة لأن كلام الواشين يؤذيها.
الفكرة:
تَغَزُّل الشاعر بمحبوبته.
نصَبتْ
عينايَ له شرَكاً في النّومِ فعزَّ
تصيُّدهُ
شركاً:
فخاً
الشرح: يقول: بما أنه عزّت علي رؤيته في
الحقيقة؛ فأنام علِّي أراه في المنام، وبما أن محبوبه غزال؛ فقد نصب له عينَه شركاً
ليسقط فيه ويراه، ولكنه صعب الصيد في الحقيقة وصعب الصيد كذلك في النوم.
الصورة
الفنية: شبّه عيونه بالصياد الماهر الذي ينصب لهذه المحبوبة الشِباك.
وكفى
عجباً أَنِّي قَنِصٌ للسِّرب سبانِي
أغْيَدهُ
الشرح
يقول: يكفي عجباً من حالي أنني قَنِصٌ، أي بارع في الصيد، فحين رأيت أجمل وأنعم
غزال لم أستطع صيده؛ بل هو من اصطادني وسباني.
الصورة
الفنية: شبّه نفسه بصياد بارع في الصيد (تشبيه بليغ)، وشبّه المحبوبة بالصياد (استعارة
مكنية).
ينضُو
مِنْ مُقْلتِه سيْفاً وكأَنَّ نُعاساً
يُغْمدُهُ
المعاني
ينض:
يستل
الشرح:
يستمر الشاعر في ضرب أبدع وأفتن الصور لوصف عيني محبوبه فيقول: ما إن ينظر إليك؛
يخرج من عينه سيفٌ باتجاهك ليقتلك، لكن النعاس الفاتن الذي على عينه يعيد ذلك
السيف ويغمده. ومعلوم أن العين الناعسة هي أفتن العيون وأحلاها، فجَمَعَ محبوبه
بين العين القاتلة والعين الناعسة؛ فهذه تُقَيِّد تلك ولا تدعها تقتل.
الصور
الفنية: شبّه نظرات المحبوبة بسيف، وشبه النعاس بإنسان يغمد السيف.
فَيُرِيقُ
دَمَ العُشَّاقِ بِـهِ والويلُ لِمَنْ
يَتَقَلَّـدُهُ
الشرح:
مع ذلك؛ كل من يحبه أو يعشقه يريق دمه، لا وقد أطال النظر إلى عينه، فالويل كل
الويل لمن ترك نفسه أمام تلك الأعين، والويل لمن يقلد المحبوبة.
الصورة
الفنية: شبّه المحبوبة بإنسان قاتل يقتل كل من يتعرض له.
كَلاّ
لا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ عَيْنَاهُ
وَلَمْ تَقْتُلْ يَـدُهُ
الشرح:
يقول مبرئًا لحبيبه: لا ذنب له ولا وزر عليه، فهو لم يقتل أحدًا بيده؛ إنما قتل
بعينه، فمذ متى كان المرء مؤاخدًا بالنظر؟
الاساليب
والمحسنات البديعية:
كلا
لا ذنب: أسلوب نفي
قتلت،
لم تقتل: طباق سلب!
يَا
مَنْ جَحَدَتْ عَيْنَاهُ دَمِي وَعَـلَـى
خَـدَّيْـهِ تَــوَرُّدُهُ
خَــدَّاكَ
قَـــدْ اعْـتَـرَفَـا بِـدَمِـي فَعَلامَ
جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ
الشرح:
يقول الشاعر: إن سيف عينك أراق دمي، وعيونك الناعسة تحاول تخفيه وتُغمده جاحدة
ومنكرة قتلها لي وسفكها دمي؛ لكن حمرة وجنتيك وتوردهما أكبر دليل على أنك أنت الذي
قتلتني، حتى بصرف عينك عني وكأنها لا ترى دمي؛ إلا أن خدك يراه ويقر بالجرم ويشهد
على عينيك متلبسة.
المعنى...
الجحد: النكران
الصورة
الفنية: شبّه الخدود بإنسان يعترف بجريمته.
إِنِّي
لأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِي وَأَظُـنُّــكَ لا تَـتَعَـمـَّــدُهُ
الشرح:
يقول بعد كل هذا العتاب ورميه عين محبوبه بالتهم: ما كان لمحبوبي أن يتعمد قتلي،
وإني أعيذه من أن يقتلني فهو يعوذ حبيبه من أن تسبب عيناه القتل له سهوًا أو غلطًا
أو دون قصد.
بِاللهِ
هَبِ المُشْتَاقَ كَرَىً فَـلَعَـلَّ خَيَالَـكَ يُسْـعِـدُهُ
الشرح:
يكمل مناجاته لمعشوقه فيقول: هب لي نومًا علّي أراك أو أرى حتى خيالك بالمنام
فتكون سعادتي وراحتي.
بالله:
أسلوب إنشائي غير طلبي قسم.
المعنى: كرى: نعاس
الصور:
شبّه النوم بشيء مادي يعطى، وشبّه الخيال بإنسان يبعد.
مَا
ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِـدُهُ
الصور:
شبّه المحبوبة بطبيب يداويه، وشبّه اقتراب المحبوبة بعلاج.
الشرح:
يقول ماذا يضرك لو أنك داويت تعب ومرض عاشقك ومحبوبك الذي يحاول التقرب منك وأنت
لا تنفك تبعده عنك وتأبى لقاءه.
المعنى:
ضنى: تعب
وَغَدَاً
يَمْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ هَـلْ مِـنْ
نَظَـرٍ يَـتَـزَوَّدُهُ
الشرح:
وهكذا هي حالي كل يوم، أنتظر فقط أن أراك فأزداد بك قوة وعلى الحياة صبرًا.
الفكرة:
اشتياق الشاعر واستعطافه لرؤية محبوبته.
يَا
أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ بِالـدَّمْعِ
يَـفِـيـضُ مُـوَرَّدُهُ
الشرح:
يناجي العشاق مثله والمشتاقون فيقول: من فيض وذرف دموعي أصبحت أتشرّق بها، فهل وصل
أحدكم لهذا؟
المعنى:
شَرَق: مصدر الفعل شرق ويعني غص بشيء من طعام أو شراب في حلقه.
الصور
الفنية: شبّه الشاعر الدموع بالطعام الذي يعلق بالحلق كناية عن كثرة الدموع.
الفكرة:
حزن الشاعر وشدة شوقه لمحبوبته.
يَهْوَى
المُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ
الشرح:
كل ما يتمناه الشاعر هو أن يرى حبيبه، لكن الأقدار والأيام تأبى إلا أن تبعدهما.
المعنى:
صروف الدهر: أي مصاعب الدهر
الصور
الفنية: شبّه صروف الدهر بالإنسان الذي يبعده.
مَا
أَحْلَى الوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ لَــولا
الأَيَّـــامُ تُــنَــكِّـــدُهُ
بِـالـبَـيْـنِ
وَبِـالْـهِـجْـرَانِ فَيَـا لِـفُـؤَادِي
كَيْفَ تَجَلُّـدُهُ
الشرح:
يقول: ما أحلى الوصال ولقاء الحبيب لو أنه يدوم؛ فالأيام النكديّة تجلب الفراق
والبعد للمعشوقين، ويتعجب من صمود وتجلد قلبه على بعد حبيبه وأنه صابر على مرّ
الأيام وفرقة معشوقه.
المعنى:
تجلده: صبره، الوصل: اللقاء، البين: الفراق
المحسن
البديعي: الفراق، الهجران (ترادف)
الاعراب
ما:
اسم تعجب في محل رفع مبتدأ.
أحلى:
فعل ماض للتعجب مبني على الفتح.
الوصل:
مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
لولا:
حرف شرط غير جازم:
إرسال تعليق