-->

الديدان الخيطية : الكائنات المجهرية التي سيطرت على العالم وعلى أجسادنا



- الديدان الخيطية Nematodes- تُعدّ من أكثر الحيوانات عدداً على وجه الأرض ، ولكن لا يُعرف عنها سوى القليل ، ففي حين تُستخدم بعض الانواع منها لمكافحة آفات المحاصيل ، يمكن أن تسبب أنواع أخرى في إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة ، بما في ذلك النباتات والحيوانات ، كما تعيش بعض الديدان الخيطية داخل البشر كطفيليات وتسبب أمراضاً معدية .


الديدان الخيطية .. حكام الأرض الصغار
- على الرغم من أن الديدان الخيطية تُسمى غالباً بالديدان الأسطوانية ، إلا أنها في الواقع ليست من الديدان ، إنما هي كائنات مجهرية متعددة الخلايا تُسيطر إلى حد كبير على معظم الكائنات الحية على الأرض .
الديدان الخيطية هي من أكثر الكائنات وفرة عددية على هذا الكوكب ، فهناك مثلاً 57 مليار دودة خيطية لكل انسان واحد تقريباً على الأرض .
من الناحية الهيكلية - الدودة الخيطية تتكون من أنبوب بداخل أنبوب ، يمر الطعام عبر فم الأنبوب ماراً بالأمعاء ، ثم يخرج من نهاية الجسم .
وحتى مع وجود أنبوب صغير لجسم طوله أقل من ملليمتر واحد في كثير من الأحيان ، إلا أن الديدان الخيطية تحتوي على أنظمة بيولوجية معقدة .
وككل كائن حي لديه نظامه العصبي ، والجهاز الهضمي ، والجهاز التناسلي ، ولكن الديدان الخيطية تفتقر إلى الجهاز التنفسي ! .
بسبب حجمها ونطاقها الكبير ، كان من الصعب على العلماء معرفة عددها بالضبط ، ولكن بعض التقديرات الأخيرة أشارت إلى أن عددها يمكن أن يصل إلى أكثر من 400 كينتليون دودة ، بينما أنواعها تصل إلى 23000 نوع تم تحديده ، في حين يعتقد بعض علماء الأحياء أنه قد يكون هناك ما يصل إلى مليون نوع مختلف .
تلك الكائنات المجهرية موجودة في كل مكان حرفياً ؛ فهي تسكن التربة ، والمياه العذبة والمالحة ، وحتى أجسام الحيوانات والبشر .
معظم الديدان المستديرة جيدة وتساعد على نمو النباتات ، وتهاجم الآفات البيئية ، في حين أن بعضها سيء ، خاصة النوع الطفيلي الذي يسبب المرض ، وأحياناً الموت .
هناك أيضاً أنواع من الديدان الخيطية تلحق الضرر بنوعها وهي الديدان الخيطية آكلة اللحوم والتي تُدعى Pristionchus pacificus ، فهي تفترس الآخرين من بني جنسها - على الرغم من أنها تستثنى صغارها من ذلك بسبب جين " معرف الذات " والمعروف باسم SELF-1 - فإذا اكتشفت النيماتودا نيماتودا أخرى بنفس الجين SELF-1 ، فلن تأكلها.
الديدان الخيطية السيئة : الطفيليات الحيوانية
- في كتابه " تنوع الحياه " ، أشار عالم الأحياء البريطاني كولن تودج إلى أنه واحداً من بين كل نوعين من الحيوانات على الأرض يستضيف نوعاً واحداً على الأقل من أنواع النيماتودا الطفيلية التي تعيش بداخل جسمه .


الديدان الخيطية من نوع Mermis nigrescens التي تُصيب الجراد - Wikimedia common

لكن الحيوانات قد تكون أفضل من غيرها - فعلى سبيل المثال ، وصف أخصائي عالم الحشرات أليكس وايلد - أن النملة التي عثر عليها في بليز مصابة بالميريثيد - وهو نوع طفيلي من الديدان الخيطية - كانت رأسها منكمشة ، وبطنها متضخمة .
وقد كتب وايلد على موقعه على الإنترنت " لا استطيع أن أتخيل ما يجب أن تشعر به الحشرة المصابة بالديدان الخيطية ! فبوصول الدودة الخيطية إلى الحجم البشري تقريباً ، يمكن أن تكون كأفعى الأناكوندا الملفوفة بين الامعاء " .
تنمو النيماتودا الطفيلية داخل عائلها من الحشرات حتى تنضج بدرجة كافية ومن ثم تتحرر .
ففي حالة النمل من نوع Odontomachus فإن الدودة الخيطية تُصيب تلك المفصليات المسكينة عبر التربة الملوثة ببيوضها ، وبمرور الوقت تتغذى وتتطور ، ثم يقتل هذا الطفيلي مضيفه ببطء ، حيث تنضج النيماتودا وتخرج للتزاوح ووضع البيض ، الذي قد يصيب بدوره مضيفاً آخر لتُعاد دورة الحياة .
يمكن للكلاب والقطط المصابة بالديدان الخيطية الطفيلية ، ان تعاني أمراض مثل العمى والنهري ، والديدان الخطافية، وداء الفيل .


ديدان خيطية موجودة داخل أمعاء قط - Agency Animal Picture/Getty Images

في عام 2013 ، قدرت إحدى الدراسات الني أُجريت في المملكة المتحدة أن الكلاب في بريستول تُنتج كل يومين أكبرعدد من النيماتودا الطفيلية Toxocara بما يوازي أعداد البشر على الأرض - ما يقرب من 7 مليارات - وذلك من خلال برازها ، مما يُصيب التربة ويشكل خطراً على الأطفال ، فيمكن للطفيل أن يسب فقدان البصر ، وربما الربو أو الصرع .
على الرغم من ذلك فإن الديدان الخيطية من نوع Toxocara ليست مخيفة كأكبر أنوع الديدان الخيطية في العالم : Placentonema gigantissima ، والذي تم اكتشافها لأول مرة في مشيمة حوت العنبر في المياه الواقعة بين روسيا واليابان ، ويمكن أن تنمو تلك الديدان الخيطية حتى طول 30 قدماً - أي أطول من حافلة لندن ذات الطابقين .


الديدان الخيطية التي تدمر النباتات



- الديدان المستديرة لا تلحق الضرر بالحيوانات فحسب ، بل تهاجم النباتات أيضاً ، فتقوم بثقب جدران خلايا النباتات بأفواهها المدببة ، كما أن أنواع معينة من الديدان الخيطية تفكك النباتات عن طريق إفراز مادة لعابية خاصة ، وبعد أن تقوم النيماتودا بعملها ، فإنها تترك ضحاياها من النباتات أكثر عرضة للعدوى البكتيرية والفطرية .
ولكن الخبر الجيد هنا - هو وجود علامات مؤكدة تُشير إلى متى تمت إصابة المحصول بهذه الكائنات الطفيلية ، فعادة ما تظهر على النباتات المصابة علامات تورم ونمو غير عادي وأجزاء ميتة .


أما الديدان الخيطية الذهبية ، فهي من الأنواع التي تجتاح المحاصيل بدرجة كبيرة ، فهي تهدد منذ فترة طويلة إنتاج البطاطا والطماطم في أمريكا الشمالية وأوروبا على حد سواء ، كما ترتبط يرقاتها بجذور هذه النباتات وتمتص عناصرها الغذائية ، مما يُعيق النمو ، ويصعب التخلص منها نظراً لأن بيضها يمكن أن يظل كامناً في التربة لمدة تصل إلى 30 عاماً .
الديدان الخيطية تصيب البشر أيضاً
- الديدان الخيطية البشرية الطفيلية هي سبب رئيسي للأمراض البشرية في جميع انحاء العالم ، والدودة الأكثر شيوعاً من الديدان الخيطية التي تُصيب البشر هي الدودة الدبوسية ، التي أصابت حوالي 42 مليون شخص في الثمانينيات وفقاً لإحصائيات الولايات المتحدة فقط .
ومثل الديدان الخيطية الطفيلية المختلفة التي تصيب الحيوانات ، يكون للديدان الخيطية البشرية الطفيلية أيضاً طرقاً مختلفة يمكنها من خلاها إصابة الإنسان .
فيمكن أن تصيب البشر أنواع مثل أسكاريس لومبريكويدس أو دودة تريشينيلا الحلزونية عن طريق ابتلاع يرقاتها أو بيضها عن طريق الخطأ من خلال المياه الملوثة أو الطعام الغير مطهو جيداً .
يمكن لأنواع أخرى ان تُصيب البشر عن طريق اختراق الجلد مثل الدودة الخيطية Strongyloides stercoralis والديدان الخطافية ، فعادة عندما يسير شخص ما حافي القدمين في تربة ملوثة ببيوض او يرقات الديدان الخيطية ، تخترق تلك الطفيليات جلد الإنسان على الرغم من عدم امتلاكها لعيون ، ولكنها في الواقع تنجذب للجلد عن طريق حواسها الأخرى ، حيث تكون أقدامنا أكثر دفئاً من التربة الباردة المحيطة ، فتشعر الديدان الدبوسية بوجود عائل ذو دم دافيء فتنجذب إليه .


الدودة الدبوسية التي تُصيب البشر

عدوى الدبوسية ، التي تسببها Enterobius vermicularis ، هي أكثر أنواع العدوى المعوية شيوعًا في الولايات المتحدة ، وهي قابلة للانتشار بسهولة بين الأماكن العامة حيث تنتشر البويضات عن طريق ملامسة الجلد والملابس أو الطعام المصاب.
تعيش تلك الديدان داخل القولون والمستقيم للمضيف البشري ، بينما تضع الدودة الدبوسية الأنثوية البيض على الجلد حول فتحة الشرج أثناء نوم الشخص ، مما يسبب عادة حكة حول فتحة الشرج .
ويمكن أن تسبب العدوى الدبوسية المزمنة ، أو العدوى بنوع آخر من الخيطيات البشرية الطفيلية ، فقر الدم ، وفقدان الشهية ، وضيق الجهاز الهضمي ، أوحتى الوفاة في بعض الحالات .
إحدى الحالات التي تم تشخصيها بعدوى الدودة الدبوسية - كانت لإمرأة عانت من الحكة الشرجية والنزيف لمدة شهرين ، وعندما أجرى الأطباء تنظير القولون ، وجدوا الدودة الدبوسية الأنثوية .
ويُعتقد أن المرأة قد أصيبت بالعدوى من ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات ، والتي انتقلت إليها العدوى من زميلاتها المصابات بالدودة الدبوسية .
ليست جميعها سيئة
- قد تكون بعض أنواع النيماتودا خطرة ومخيفة ، ولكنها ليست جميعها سيئة .
معظم أنواع الديدان الخيطية ذات فائدة من أجل البيئة ، حيث تتغذى على الحشرات الميتة ، والمواد المتحللة ، والديدان الخيطية الأخرى ، كما أنها تلعب دوراً حاسماً في دورة الكربون للأرض ؛ فكلما زاد عدد الديدان الخيطية الموجودة في عينة معينة من التربة ، زاد عدد الكربون الذي يمكن أن تخزنه التربه ، مما يعني أن الديدان الخيطية يمكنها أن توصلنا إلى طرق جديدة لمكافحة تغير المناخ .


بعض الديدان الخيطية تعمل كمبيدات حشرية بقتلها الحشرات الاخرى

الديدان الخيطية المسببة للأمراض ، EPNs ، تصيب الحشرات وتقتلها ، مما يجعلها بدائل أكثر أمانًا للمبيدات الكيميائية لحماية المحاصيل.
يستهدف أحد أنواع EPN بشكل خاص صراصير الخلد ، التي تزعج جحورها البذور المنبتة والجذور الصغيرة ، لذا يستخدمها المزارعون الديدان الخيطية من نوع Steinernema scapterisci كمبيد حشري طبيعي .


ولكن على الرغم من أن النيماتودا تشكل جزءًا مهمًا من بيئتنا ، حيث تعيش داخلنا وفي كل شبر من التربة ، ما زلنا نعرف القليل عنها.