-->

ذو الفقار سيف مـاض أم عزيمة ماضية؟

ذو الفقار سيف من سيوف العرب النادرة، احتل شهرة واسعة لاتزال أصداؤها مدوية حتى الآن. وقد ارتبطت صورته في أذهاننا بصور البطولة والشجاعة، فما هذا السيف؟ ومعناه؟ وما هي قيمته الحقيقية؟

سُمِّيَ ذوالفقار بهذا الاسم لأنه مصنوع على شكل الفقارات التي في ظهر الإنسان، والفقار، بفتح الفاء، جمع فقارة الظهر، ويقال في جمعها فقار وفقارات. ويقال: ذو الفقار، بكسر الفاء أيضا، والفقار: جمع فقرة، فـالسيف إذن على شكل فقارات الظهر، وعـدد فقارات هـذا السيف ثماني عشرة فقرة. وقد وصفـه الأصمعي وصف مشاهدة، فقال: "رأيـت الرشيـد بطوس متقلدا سيفا فقال: يا أصمعي ألا أريك ذا الفقار؟ قلت: بلى، جعلني الله فداك. فقال: استل سيفي هذا. فاستللته فرأيت فيه ثماني عشرة فقـاره". وهذا يعني أن ذا الفقـار ليس بفقارتين كما هو شائع.
وهذا السيف كان من جملة سيوف الرسول الكريم صلى اللـه عليـه وسلم، أهداه إلى علي بن أبي طالب كـرم اللـه وجهـه. فكيف وصل هـذا السيف إلي الرسول الكـريم إلى أن انتهى به الأمر إلى هارون الرشيد؟ يقال إن هذا السيف كـان لأحد مشركي قـريش واسمه "منبه بن الحجاج "، حمله يوم بدر في وجـه المسلمين، لكن علي بن أبي طالب بارزه وتمكن منه فقتله، وأخذ منه السيف. وعندما انتهت وقعة بدر بنصر المسلمين، جمعت الغنائم والأسلاب، ومن بينها هذا السيف، فأعجب به الرسول الكـريم، لكنه رأى الإعجاب نفسـه في عينى علي فآثر الرسول الكريم ابن عمه على نفسه وأهداه ذا الفقار. وقد ظل السيف مع علي إلى أن استشهـد فانتقل إلى أبنـائه وأحفاده من بعده. ومرت سنوات كثيرة والسيف في حوزة أحفاد علي، إلى أن قام أحدهم واسمه " محمد بن عبداللـه " ليحارب جيش أبي جعفـر المنصور العباسي لكنه جرح في تلك المعركة. ولما أحس بدنو أجلة أعطى ذا الفقار إلى تاجر كان معه. وكان لهذا التاجر دين على محمد بن عبداللـه مقداره أربعمائة دينار. فقال له محمد: "خذ هذا السيف فإنك لا تلقى أحدا من آل أبي طالـب إلا أخذه منك وأعطـاك حقك"، فاحتفظ به التاجر لنفسه غنيمة ثمينة، لكن حفيدا آخر من أحفاد علي اسمه "جعفر بن سليمان " سمع بخبره فاشتراه منـه بعد جهد شـديد، ولما استخلف "المهدي بن المنصور" سمع بالسيف فأخذه حياء من جعفر، ثم انتقل السيف بعد موت المهدي إلى موسى الهادي ثم إلى أخيه هارون الرشيد حيث رآه معه الأصمعي كما أشرنا.
وفي خلافة الرشيد خـرج "الوليد بن طريف الشاري " في الجزيرة الفراتية على العباسيين محاربا، فـوجه الرشيد "يزيد بن مزيد الشيباني " على رأس جيش قوي لمحاربة الوليد، وزوده بذي الفقار قائلا له: "خذه يا يزيد فإنك ستنصر به " فـأخذه وانتصر به فعلا.
وقد مدحه الشاعر "مسلم بن الوليد" قائلا:
أذكرت سيـف رسول اللـه سنته      وبأس أول من صلى ومن صـامـا
يريد بذلك بأس علي بن أبي طالب إذ كان هو أول من ضرب به من المسلمين، كـما كان أول من أسلم من الرجال.
وذاعت شهرة عظيمـة لهذا السيف حتى قيل:
لَا سَيفَ إِلَّا ذوُ الفِقارِ       ولَا فَـــتـــــىً إلَّا عــلـــــيُّ
فلماذا بلغ ذو الفقار تلك الشهـرة؟ ألرفعة حـامله؟ أم لجودة حديـده؟ أم لأسباب أخرى؟. ذو الفقـار سيف حديدي عادي شأنه في ذلك شأن السيوف الأخرى. لكنه اكتسب شهرته بسبب حامله علي بن أبي طالب الذي حمله وحارب به وانتصر مادام معه. فظن الناس أن في السيف سرا، وتفاءلوا به خيرا. لكن ذا الفقار لم يكن فيه سر، ولو كان فيه لما قتل صاحبه منبه بن الحجـاج يوم بـدر. فما السر إذن؟ لم يكن ذو الفقار ليجدي نفعا في يد مشرك، لكنه أجدى وهو في أيدي المسلمين، وهذا يعني أن القيمة الحقيقية لم تكـن فيه، وإنما كانت في حامله، فساعد علي الممتلىء إيمانا وتقوى كان هو الذي يقطع وليس السيف، وإيمان علي هو الذي انتصر وليس السيف، ولو حمل ذا الفقار ألف مشرك مـا انتصروا به لأنه سيغـدو خشبا في أيديهم، لأن العزيمة المستندة إلى الإيمان هي التي تأتي بالنصر لا السيف. وكـم من سـلاح تحول في يد الجبان إلى خرقة بالية، وفي يد البطل إلى صاعقة محرقة. وهذه هي حال ذي الفقار، إذ حملتـه يد مشركة، ولما حملته سواعد مؤمنة قطع وجاد بالنصر. ولولا ذلك الإيمان ما كان ذو الفقار:
العزم لا السيف يمضي حاصدا مهجا   فكيف بالعزم مصحوبـا بإيمان؟