عند سماعنا لكلمة
”شيطان“ فإن أول صورة نستحضرها هي الصور المتعلقة بالأرواح والكيانات الشريرة،
ولكن في الأصل يشير مصطلح ”الشيطان“ إلى شيء مختلف تماماً: فكلمة شيطان يونانية
الأصل، مشتقة من الكلمة اليونانية القديمة Daemon التي تعني ”الروح“.
سابقاً، لم تمثل جميع
الشياطين قوى الشر والظلام، بل كانت تمتلك بعض المواهب والقدرات الإلهية للمساعدة
والأذية، كما كانت بمثابة وسيط بين الآلهة والبشر. يعتقد البعض أن أصل هؤلاء
الشياطين إما آلهة ثانوية أو أنهم أرواح الأبطال الأموات. بالنسبة للرومان، فقد
كانوا بمثابة أرواح مهمتها الأساسية حراسة الفرد أو الأشخاص أو الأماكن. قد تكون
هذه الأرواح خيرة أو شريرة، يعتمد هذا الأمر على شخصيتها أو ظروفها.
في القرن الثاني الميلادي، اكتسبت كلمة
شيطان معنى آخر، وذلك عند ترجمة اليونانيين للكتاب المقدس العبري (سبتاجنت)،
اكتشفوا أن اليهود في الإسكندرية قد استخدموا مصطلح Daemon للإشارة للأرواح الشريرة. من هنا تغير معنى كلمة شيطان وأصبح
الممثل الوحيد لقوى الشر، كما أن الهدف الوحيد لوجود هذه الكيانات الشيطانية هو
لإفساد وتعذيب البشرية، سواء كانت هذه الكيانات روحية أو مادية.
أصبح مفهوم الكيانات الشيطانية الشريرة
مفهوماً عالمياً، استخدمت فكرة الأرواح الشريرة في جميع الفترات الزمنية والثقافات
عبر التاريخ لتفسير كل ما لا يمكن تفسيره، كالمرض أو الكوارث أو الحظ السيئ، فقد
أصبحت كلمة شيطان هي المبرر الوحيد الذي يقف وراء مثل هذه الأحداث
كما أُطلق على آلهة الديانات الفانية اسم
الشياطين، فبعد أن تم إخراج هذه الآلهة من العالم السماوي فقدت مصداقيتها واكتسبت
المزايا الشيطانية. في الواقع، إن كنت ترغب بمعرفة الأفكار والمعتقدات التي تبنتها
الثقافات القديمة، فليس عليك سوى معرفة حكايات وأساطير شياطينها. جمعنا لك في هذا
المقال 16 أسطورة قديمة تتحدث عن قصص شياطين من ثقافات وعصور مختلفة:
1. الجن، كائن يشبه الملائكة والبشر، تتمثل مهمته بإغراء البشر عبر
اتباع طرقه المخادعة:
يتشابه الجن الذي ينتمي للأساطير العربية
والإسلامية مع المفهوم الكلاسيكي للشيطان، فلا يمكننا أن ندعوهم بالخير أو بالشر،
جسّد الجن قديماً الأرواح ذات القدرات الخارقة للطبيعة، والتي خُلقت من دخان ونار
قبل وقت طويل من ظهور البشرية. كان الجن عبارة عن كائنات روحية عديمة الشكل وذات
قوى سحرية مصنفة في مكان ما بين البشر والملائكة، كما أنهم ليسوا خالدين، أي أنه
يمكن للبشر قتلهم، ولكنهم يتميزون بالعمر الطويل الذي يعوضهم عن كل هذه العيوب.
بحسب
الأساطير الفارسية؛ كان للجن أراضيهم الخاصة، التي تعرف باسم (جينيستان) وعاصمتها
مدينة المجوهرات، ولكنهم بالرغم من امتلاكهم لمكانهم ومدينتهم الخاصة، إلا أنهم
كانوا يميلون لمطاردة البشر في أماكن إقامتهم كالصحراء والأنهار والآبار وحتى
الأسواق. أي أنهم يشبهون الأرواح الرومانية التي تحرس الأماكن. اعتاد البشر قديماً
طلب الإذن والموافقة من الجني المحلي قبل سحب المياه من الآبار أو السفر عبر
الأراضي الغريبة.
عندما يظهر الجني للإنسان، فإنه يظهر على
هيئة حيوان أو وحش أو حتى على هيئة إنسان آخر، أياً كان الشكل الذي اتخذه، يمكن
للبشر التعرف عليهم بسرعة من خلال عيونهم الملتهبة التي كانت عمودية بدلا من
أفقية. أعطت هذه الصفات المخيفة للجن مظهراً شريراً.
يمكن للجن أن يكون مساعداً في بعض
الأحيان، إلا أنهم مشهورون باتباعهم الحيل الشريرة، فقد كان من المُعتقد أنهم
المسؤولون عن العواصف والأمراض والجنون والموت. بالنسبة للإسلام، كل إنسان لديه جن
شرير خاص به هدفه الوحيد هو إغراؤه لاقتراف المعاصي والأفعال الشريرة.
ازدادت سمعة الجن سوءاً بسبب اعتقادهم أن
إبليس هو زعيمهم، إبليس هو الشيطان الحقيقي لدى الإسلام.
2. تمثل شياطين (أسورا) التوازن بين الضوء والظلام:
ظهرت شياطين (أسورا) للمرة الأولى في
الكتاب المقدس للديانة الهندوسية (الفيدا)، وهو عبارة عن مجموعة من القصائد
المكتوبة بين عامي 1500-1200 قبل الميلاد. وعلى ما يبدو فإن أصل هذه الشياطين يعود
للإله (أهورا) الإيراني والكائنات السماوية الأخرى لدى الزرادشتيين. كان الإله
(أهورا) لدى الزرادشتيين يرمز لقوى الخير، في حين اعتبر الهندوس شياطين (أسورا)
رمزاً للشر.
صنفت الهندوسية شياطين (أسورا) إلى فئات
مختلفة وهي: (ناغاس)، أو شياطين على هيئة ثعابين، و(آهي) شياطين القحط والجفاف،
و(كامسا) وهو الشيطان المستحوذ، و(ركشاسا) التي كانت مهمتها مطاردة المقابر كما
كانوا السبب في وقوع حالات الوفاة الشنيعة بالإضافة لدفعها للناس لارتكاب أعمال
بغاية الحماقة.
كان الهندوس يعتبرون كلاً من شياطين
(أسورا) و(ديفاس) أو الآلهة وسيلة لفهم التوازن بين الظلام والنور في العالم. على
الرغم من تصنيف الهندوس لشياطين (أسورا) على أنهم أشرار، إلا أنهم وضعوهم بدرجة
متساوية مع الآلهة، ومن هنا جاء معنى اسمهم ذي الأصول السنسكريتية، ويعني
”الألوهية“، لا يمكننا مقارنة تصرفات شياطين (أسورا) بتصرفات أشقائهم الذين يملكون
طبيعة خاصة بهم أفضل من طبيعة شياطين (أسورا)، وخاصةً أنهم يقدمون تفسيرات تشرح
أسباب وقوع بعض الأحداث السيئة.
كان كل من شياطين (أسورا) و(ديفاس) أو
الآلهة أبناء إله السماوات العظيم، لكن انفصل هؤلاء الأشقاء السماويون عن بعضهم
البعض للبحث عن أكسير الخلود للحصول على الحياة الأبدية. كان الاتفاق أن أي مجموعة
تعثر على الأكسير ستشاركه مع المجموعة الأخرى، ولكن عندما عثر عليه الـ(ديفاس)
أولاً لم يشاركوه مع الآخرين واحتفظوا به لأنفسهم. ولذلك أصبحت الآلهة (ديفاس)
خالدة على عكس (أسورا)، مما جعل هاتين المجموعتين في حالة صراع دائم.
3. (ياوغواي) هي الشياطين الصينية الأسطورية التي تنتمي للجانب المظلم:
الـ(ياوغواي) أو ”الأشباح الغريبة“ أو
”الشياطين الغريبة“ هم شياطين صينية أسطورية يتشابهون مع شياطين (أسورا) في رغبتهم
للوصول للخلود والألوهية، كانوا يتلبسون أرواح الحيوانات أو الملائكة الساقطة.
وعلى الرغم من اكتسابهم قوتهم عبر ممارسة الطاوية، إلا أن شياطين الـ(ياوغواي) لم
يهتموا بالتوازن بين النور والظلام، فقد كانوا ينتمون للجانب المظلم فقط ولم
يتوقفوا في محاولاتهم لتحقيق أهدافهم الألوهية.
اعتقدوا أن الطريقة التي ستساعدهم في بلوغ
هدفهم هي امتصاص الحياة من الرجال المقدسين. ظهرت حكايات شياطين الـ(ياوغواي) في رواية
القرن السادس عشر الصينية بعنوان ”رحلة إلى الغرب“، التي تروي قصة السعي وراء
الراهب البوذي (شوانزانغ) من قبل (باي جو يونغ) أو شياطين العظام البيضاء، ولسوء
حظ (باي جو يونغ)، كان الراهب (شوانزانغ) مسافراً بصحبة (سون ووكونغ) أو القرد
الملكي.
واجه الراهب وصحبته الروح الشريرة للمرة
الأولى متنكرة بزي فتاة صغيرة تبحث عن الطعام، ولكن تمكن القرد الملكي من كشف
هويته الحقيقية وقام بإخراج الروح الشريرة باستخدام عصاه. حاول (باي جو جونغ)
اعتراض طريق الراهب والقرد الملكي متنكراً بزي امرأة عجوز ومرة أخرى على هيئة رجل عجوز.
في المحاولة الأخيرة، تمكن القرن الملكي
من قتل الشيطان والكشف عن شكله الحقيقي: هيكل عظمي.
لم تكن العصا هي الطريقة الوحيدة لطرد
شياطين الـ (ياوغواي)، وكانوا قد اتخذوا من العالم السفلي مكاناً لهم، لذلك اعتقد
الصينيون أنهم يهابون الضوء، لذلك لجأوا لاستخدام النيران والألعاب النارية
والمشاعل للتخلص منهم وقتلهم.
4. (الشيديم) هم شياطين من بلاد الرافدين مرتبطون بالدمار والمرض
والتضحية البشرية:
منذ أقدم العصور، كان إله رجل ما يعتبر
شيطاناً بالنسبة لرجل آخر. بالنسبة لبلاد الرافدين، كان (لاموس) –أو (شيدو)– عبارة
عن أرواح قوية برؤوس بشرية وأجنحة كأجنحة النسر وأجساد تشبه جسد الثور أو الأسد
تحرس المنزل أو البلاد. جرت العادة في بلاد الرافدين بوضع تماثيل لهذه الكيانات
القوية على أبواب القصور والمدن، كان الهدف من هذه التماثيل هو التصدي للجيوش
والغزوات وضمان سلامة شعوبهم داخل أسوار المدينة، أما في المنازل، كان يتم نقش صور
لـ(شيدو) على ألواح طينية ودفنها تحت عتبة المنزل لضمان السعادة والأمان داخل
المنزل.
عندما اكتشف الإسرائيليون أسطورة
الـ(شيدو)، فسروها بطريقة مختلفة تماماً، فقد تبنى البعض منهم طقوس عبادة هذه
التماثيل، ولكنهم رفضوا الاعتراف والتصديق بما جاء في كتاب العهد القديم حول طقوس
التضحية بالبشر.
اعتبر التيار اليهودي السائد أن الـ(شيدو)
ليسوا سوى أصناماً زائفة تتنكر على هيئة آلهة، من هنا اكتسب الـ(شيدو) سمعتهم
المرتبطة بالشياطين والمرض والتدمير والتضحية البشرية.
”لقد ضحوا بأبنائهم وبناتهم للشياطين“
(سفر المزامير 106:37)، تشير هذه الآية إلى أولئك الذين يعبدون (الشيدو/الشديم).
اختلقت الأساطير اليهودية أصولاً مختلفة لشياطين بلاد الرافدين، واحدة من هذه
الأساطير تقول إن الـ(شيدو) هم عمل الله غير المكتمل، لذلك تُركت دون أجسام،
وأسطورة أخرى تقول إنهم من أحفاد الشياطين، أو أحفاد الشياطين على هيئة ثعابين، أما
الأسطورة الأخيرة اعتقدت أن (الشيديم) من نسل الرجل الأول آدم وزوجته واحدة من
أقدم الشياطين (ليليث).
5. أُطلق على (ليليث) لقب أم الشياطين بعد أن هجرت آدم وتركته في جنة
عدن:
يُعتقد أن أصل أسطورة (ليليث) يعود
لأساطير بلاد الرافدين. (ليليتو) هي شيطانة العواصف في الحضارة الآشورية. ظهرت
هاتان الشيطانتان في النصوص السومرية واليهودية في نفس الوقت تقريباً. يعود أصل
اسم (ليليث) و(ليليتو) لكلمة ”الليل“ باللغة السامية، كانت الشيطانة (ليليث) تمثل
تهديداً كبيراً للأطفال والنساء أثناء الولادة.
كانت بدايات ظهور (ليليث) مختلفة جداً،
ووفقاً للأسطورة الحاخامية؛ كانت الزوجة الأولى لآدم. خُلقت (ليليث) من التراب
حالها كحال آدم الأمر الذي جعلها في درجة مساوية لزوجها. اعتقد آدم أن (ليليث)
ستخضع تحت أمرته، ولكنها رفضت القيام بهذا. تقول الأسطورة أن (ليليث) رفضت أن
تستلقي أسفل آدم خلال ممارسة الجنس وفي النهاية سئمت منه، لذلك قررت أن تتركه في
جنة عدن وانتقلت للعيش في البرية، حاول ثلاث ملائكة إقناعها بالبقاء ولكنها رفضت.
عندما استقرت (ليليث) في البرية، أصبحت
تعرف باسم أم الشياطين، يُعتقد أن هذا اللقب قد ورثته بسبب الوقت الذي أمضته مع
آدم أو بسبب الاتحاد الذي عقدته مع الملاك الساقط من السماء (سامايل).
عملت (ليليث) بمساعدة (سامايل) على تجميع
الشياطين والأرواح الشريرة التي تهاجم الرجال والنساء من البشر أثناء نومهم وتمارس
الجنس معهم، ثم قاما بإرسالهم لتعذيب البشرية. أما بالنسبة لـ(ليليث)، فقد كانت
تطارد الناس خلال الأجواء العاصفة أو أثناء الليل، وقد أطلق عليها اسم ”البوم
الصائح“ أو ”الوحش الليلي“.
6. الشيطانة (آلا) تدمر المحاصيل الزراعية وتتغذى عليها، كما تستهدف
الأطفال الصغار كذلك:
(آلا)
هي إحدى شياطين أوروبا الشرقية، نشأت هذه الأسطورة من المعتقدات القديمة التي آمنت
أن أرواح الطبيعة والطقس هي المسؤولة عن وقوع الكوارث الطبيعية والأمراض. كان
البشر قديماً يعتقدون أن (آلا) تقيم في السحب أو البحيرات أو الينابيع أو الجبال
النائية أو الكهوف أو داخل الأشجار الضخمة.
وهي عندما تزور البشر، فإنها تتنكر بأشكال
متعددة، حيث يمكن أن تظهر على هيئة رياح سوداء أو أنثى التنين أو إنسان بفم كبير
أو غراب. كما يمكنها أن تتلبس الناس وتسيطر على أجسامهم. كل هذه الأشكال التي
تتنكر بها ترتبط بشخصية (آلا) الرئيسية: استهلاك كل ما حولها بجشع.
إذا غضبت (آلا)، فإنها تسبب تشكل العواصف
العنيفة والبرد القارس الذي يدمر الحقول والكروم والبساتين، كما كان من المعتقد
أنها تقوم بالتهام كافة المحاصيل لإشباع شهيتها وجشعها. إذا اعترضت (آلا) طريق أحد
الأشخاص، فهذا يعني أن صحته ستتدهور، ولكن إن اكتسب ودها، فهي ستعيد عافيته إليه،
وسيتمتع بالحظ السعيد لبقية حياته.
7. (يوكي أونا)، حسناء الشتاء التي تسبب الموت الجليدي للمسافرين:
(يوكي
أونا) هي واحدة من الشياطين اليابانيين التي أُطلق عليها اسم ”امرأة الثلج“، أو
”امرأة الشتاء“. كانت حسناء الثلج بغاية الجمال على عكس باقي الشياطين، كان شعرها
أسوداً وطويلاً وعيناها بنفسجية اللون، كان لونها أبيضاً كلون الأجواء المثلجة
التي تتجول بها. كانت (يوكي أونا) تتجول في الجبال الثلجية خلال العواصف الثلجية،
مستفيدة من جمالها لإغراء المسافرين وتقودهم إلى حتفهم. كانت تمتص الحياة من
الأشخاص الذين تواجههم في طريقها حتى يتحولوا إلى جثث باردة كبرودة الثلج.
كانت (يوكي أونا) تُستخدَم كوسيلة لتفسير
حالات الوفيات التي تصيب البشر في الأجواء الباردة، وكانت بمثابة روح من أرواح
الطبيعة ولكنها في بعض الأوقات لم تكن روحاً شريرة، ففي بعض الأوقات تتنكر (يوكي
أونا) على هيئة بشر في حال وقعت في غرام فريستها. تروي إحدى الأساطير قصة رجل من
(ياماغاتا) تزوج من امرأة بغاية الجمال، ولكن في أحد الأيام رفضت زوجته أن تأخذ
حماماً ساخناً في أحد أيام الشتاء البارد لتدفئ نفسها. استمر الزوج في محاولات
إقناعه لها، وفي النهاية خضعت الزوجة لرغبته، ولكنه عندما عاد ليتفقدها زوجته،
تفاجأ عند رؤية الحوض فارغ لا يوجد بداخله سوى بعض قطع الجليد.
8. قوة الطبيعة (بالور) تهدد القبائل الكلتية بالموت والآفات:
كان (بالور) زعيم قبيلة الـ(فوموار)، وهي
قبيلة شيطانية تجسد قوى الطبيعة المدمرة التي شكلت تهديداً خطيراً لسكان إيرلندا
الكلتية بالموت والآفات. كان (بالور) عملاقاً ومن أبرز السمات التي تميزه هي عينه
السامة الكبيرة، كانت كبيرة لدرجة أن خدمه كان يفتحونها له. كانت عينه تسبب الموت
لكل شخص يحدق (بالور) به، وكان يبيد جيوش كاملة من خصوم قبيلة الـ(فوموار) بنظرة
واحدة فقط، وبالتالي ضمان هيمنة وقوة قبيلة الشيطان.
بالرغم من قوة العملاق (بالور)، إلا أنه
كان هناك نبوءة تقول أن حفيده سيقتله، لذلك حبس ابنته الوحيدة (إيثلين) في برج
لكيلا تتزوج وتحمل، ولكن كاهناً من (تواثا دي دانان) يدعى (بيروج) ساعد أحد أعداء
(بالور) الذي يدعى (ماك سينفلايده) على دخول البرج وإغواء (إيثلين). بعد ذلك أنجبت
(إيثلين) ثلاثة توائم، غرق اثنان منهما في دوامة، وأنقذ (بيروج) الطفل الثالث.
كبر الطفل الثالث (لو لامهفادا) الذي قتل
جده في المعركة الأخيرة بين (تواثا دي دانان) و(فوموار) كما جاءت النبوءة، وقتل
(لو) جده (بالور) باستخدام المقلاع وأصاب عينه الشريرة، وغرقت قبيلة (فوموار)
المهزومة في أعماق البحر.
9. الشيطانة (سايوريث) إحدى أكثر الشياطين المخيفة على الإطلاق:
تشبه قصة الشيطانة (سايوريث) التي تعود
للأساطير الويلزية قصة الأسطورة الإيرلندية (بانشي). يشير اسم (سايوريث) إلى مخلوق
يشبه جثة متحللة، تعني كلمة Cyhyraeth باللغة الويلزية اللحم والعظم. كانت (سايوريث) شبحاً شاحباً
ومخيفاً، كانت مهمتها التنبؤ بالموت، لكنها لا تظهر علناً بل من خلال إصدار أنين
مخيف.
كان يُعتقد أن صوت (سايوريث) يشبه صوت
الشخص الذي يحتضر، وكانت تصرخ 3 مرات قبل وفاة شخص ما إثر كارثة أو وباء، حتى ولو
كانت تبعد أميالاً عن منزل الشخص المحتضر.
ترتبط الروح الشريرة (سايوريث) ارتباطاً
وثيقاً مع ”ساحرة الضباب“ التي هي روح شريرة ترتبط بالموت، وهي تشبه العجوز المجعدة
ولديها أجنحة جلدية شاحبة وشعر طويل مستعار وأسنان سوداء، كانت تستهدف أولئك الذين
يموتون في الليل، ثم تتسلل إلى نوافذهم وتنوح بأسمائهم، أما إن كانوا في الخارج
فكانت تمشي بجانبهم بشكل خفي أو كالضباب. في بعض الأحيان، كانت تُرى بالقرب من نهر
مهجور أو مجرى مائي تغسل يديها، من هنا جاء ارتباطها بأولئك الذين يغتسلون في
المجاري المائية.
10. أسطورة شياطين الـ(كالبي)، شياطين متعددة الأشكال من اسكتلندا،
كانوا يستهدفون الأطفال المشاغبين ويختطفونهم دون ترك أي أثر لهم:
شياطين الـ(كالبي) –الجن البحري– هم
شياطين ذات أشكال متعددة ينتمون للأسطورة الأسكتلندية، يمكن أن يظهروا على هيئة
بشر أو خيول، جاءت تسميتهم من اللغة الغيلية الأسكتلندية وتعني العجل أو المهر.
كان لكل بحيرة أو نهر في أسكتلندا جني خاص بها، عندما تراه تعتقد للوهلة الأولى
أنه غير مؤذ على عكس الشياطين الأخرى، ولكنه مخادع، كان يحمل نوايا شريرة لكل شخص
ضل طريقه وانتهى به الأمر داخل أراضيه.
كان على الأطفال توخي الحذر من المهور
الوحيدة التي ترعى على ضفاف النهر، فإذا حاولوا امتطاء هذه الوحوش الصغيرة
فسيختفون عن وجه الأرض بشكل نهائي. كان يُعتقد أن أغلب الخيول تسكنها أرواح شياطين
الـ(كالبي). لم يكن بمقدرة الأطفال التمييز ما إذا كانت هذه الخيول حقيقية أم لا
وذلك بسبب القدرة العالية لشياطين (الكالبي) على التنكر.
كانت هذه الشياطين تسحب الأطفال إلى الماء
وتلتهمهم، كما كانت تظهر للشباب على هيئة نساء حسناوات تغريهم وتسحبهم للموت
غرقاً، وإذا ظهرت شياطين الـ(كالبي) على هيئة خيول، فمن الممكن السيطرة عليها
تماماً كما نسيطر على أي خيل طبيعي باستخدام اللجام، حيث ستضطر هذه الشياطين
للخضوع وطاعة أوامر اللجام.
لا يمكن لشياطين الـ (كالبي) الهجوم على
ضحاياها في أماكن بعيدة عن مصادر المياه.
11. الشيطان (لياك) هو أكثر الشياطين التي تشبه مصاصي الدماء، لقد تخلّص
من جسده وسحب أعضاءه خارجاً من رأسه المقطوع:
كان (لياك) شيطاناً مخيفاً يشبه مصاصي
الدماء في جزيرة (بالي). خلال النهار، يبدو وكأنه كائن بشري، ولكن عند حلول الليل
يبدأ شكله بالتغير، حيث يتخلص من تنكره الإنساني ويكشف عن رأسه الوحشي بأنيابه
وعيناه المنتفختان، كما يقوم بالتخلص من جسده ولكنه يحتفظ بأحشائه وأعضاءه
الداخلية المتدلية من أسفل رأسه المقطوع.
غالباً ما يتواجد (لياك) في المقابر يتغذى
على دماء الجثث، ولكنه كان يفضل الدم الحديث والطازج وخاصةً دماء الأطفال الرضع
وأمهاتهم. غالباً ما كان سكان الجزيرة يقومون بوضع الدماء الطازجة خارج منازلهم
لإبعاد خطر الشيطان (لياك) عنهم.
في نهاية المطاف، تمكنت ملكة الشياطين
(رانجدا) من فرض سيطرتها على شياطين الـ(لياك)، حيث لعبت دوراً بارزاً في طقوس
العبادة الباليّة، واحتفظت كل قرية بقناع لها في معبد الموت وذلك لإبعاد شر
الشياطين التابعة لها.
لم تولد شياطين (لياك) بشكل طبيعي، بل
إنها تجسيد لأرواح الأشخاص الفاسدين الذين مارسوا السحر الأسود، كما كان يعتقد
أنها تقوم بالاستيلاء على أجساد ضحاياها إلى جانب شرب دماءها. من المرجح أن سكان
جزيرة (بالي) قد خلقوا هذه الأسطورة لإيجاد تفسير منطقي للأمراض العقلية، كما كانت
شياطين (لياك) بالنسبة لهم التفسير المنطقي الوحيد للأمراض الجسدية والأوبئة وفشل
المحاصيل الزراعية.
الشيء المثير للاهتمام، هو أنه بمجرد نقل
شياطين (لياك) إلى جزيرة أخرى خارج جزيرة (بالي) فإنها تختفي عن الوجود.
12. كابوس أمريكا الشمالية (وينديغو) الذي كان يجبر ضحاياه على القتل
وأكل اللحوم البشرية:
تعود هذه الأسطورة لقبائل الهنود الحمر
الأصلية، كانت الروح الشريرة (وينديغو) تطارد البشر في الغابات الممتدة على طول
سواحل المحيط الأطلسي الشمالي والبحيرات الكبرى للولايات المتحدة وكندا وتأكل
لحومهم. كان بإمكان هذا الشيطان التحول لوحش يشبه الإنسان، ولكنه كان يفضل استحواذ
أجساد البشر وارتكاب جرائمه من خلالهم، فكان يجبر ضحاياه على خرق المحرمات
الثقافية بما فيها من قتل وأكل لحوم البشر.
غالباً ما كان (وينديغو) يهاجم ضحاياه
خلال فصل الشتاء عندما يكون الطعام شحيحاً. مهما حاول تغيير مظهره إلا أن شكله كان
دائماً كما هو، فقد كان يشبه الجثة، وجلده شفاف ومشدود، وعيناه غارقتان في مآخذها،
كما أن رائحته كانت كرائحة العفن واللحم المتحلل، بمجرد أن يأكل اللحوم البشرية،
كان حجمه يزداد، وكان الأمران اللذان من المستحيل أن يفقدهما هما مظهره الذي يشبه
الجثة وشهيته للطعام.
من الممكن أن أسطورة الشيطان (وينديغو) قد
ظهرت لتفسر لنا الظروف التي تدفع الناس للتمسك بالحياة وخرق جميع الأعراف
التقليدية عندما يكون المناخ القاسي الفاصل الوحيد بينهم وبين موتهم. لذلك كانت
بعض القبائل، كقبيلة (كري) وقبيلة (أجيبوي)، تقوم بأداء بعض الرقصات الاحتفالية
خلال المجاعات وذلك لتعزيز التماسك القبلي ولإبعاد قوى الروح الشريرة (وينديغو)
عنهم، يُطلق اليوم على الرغبة بتناول اللحم البشري اسم هوس (وينديغو)، وهو مرض
يصنف ضمن قائمة الأمراض العقلية.
13. قد لا تحتاج قصة الشيطان (كرامبوس) الشائعة إلى المقدمات، ولكن أصول
هذا الشيطان قد لا تكون معروفة:
بينما تظهر أغلب الشياطين كأنها صورة
مخالفة للآلهة، كان الشيطان (كرامبوس) شيطاناً ألماني الأصل مناقضاً لصورة بابا
نويل، فقد كان شبيهاً بالشيطان المسيحي الذي له شكل شبيه بالماعز بقرون طويلة، كان
الشيطان (كرامبوس) يبحث عن الأطفال السيئين في الخامس من ديسمبر، بينما كان بابا
نويل يكافئ الأطفال المطيعين والصالحين، وكان يوم الشيطان (كرامبوس) يعرف باسم
(كرامبوسناخت) لمعاقبة الأطفال المشاغبين.
كان عقاب الأطفال السيئين هو اختفائهم
للأبد حيث يتم وضعهم داخل سلة الشيطان ثم يقوم (كرامبوس) بإغراقهم، أما الأطفال
المحظوظون فيكتفي الشيطان (كرامبوس) بضربهم بعصاه ثم إطلاق سراحهم.
يبدو (كرامبوس) شيطانياً بعض الشيء في
مظهره وأفعاله، ولكنه كان أكثر وثنية. في بعض الأساطير القديمة، ظهر شيطان عيد
الميلاد كابن آلهة العالم السفلي الإسكندنافية الآلهة (هيل)، هذا ما يفسر ظهوره
على هيئة شيطانية. ومع ذلك، تم تصور (كرامبوس) في البداية على أنه من رجال الغابات
البرية الذين يرتدون الفراء ويتجولون من منزل لآخر في منتصف المواسم الشتوية، وكان
أصحاب المنازل يقدمون لهؤلاء الرجال الطعام والكحول كوسيلة لتجنب الجوع وقسوة هذا
الفصل. وبالمثل، كانت عصا (كرامبوس) قديماً رمزاً للتطهير بدلاً من العقاب، أي أن
(كرامبوس) قديماً لم يكن يعتبر كشيطان للديانة المسيحية، بل إنه كان تجسيداً
لأخطار المواسم الشتوية.
14. كانت بداية (بعل زبوب) كإله وثني لكنه اتخذ أشكالاً مختلفة على مر
العصور:
صنف الشاعر والأديب الإنجليزي (ميلتون)
الشيطان (بعل زبوب) أو ”رب الحشرات“ في المرتبة الثانية بعد الشيطان في السلطة
والجريمة، كما اعتبره الزعيم الأعلى للجحيم المسيحي. بالنسبة لشكله فقد كان يظهر
على شكل حشرة أو كوحش أو كهجين بشري. قال (ميلتون) أن لـ(بعل زبوب) وجهاً حكيماً،
بينما ادعى مؤلفون آخرون أنه كان طويلاً كالبرج، صدره منتفخ وعيناه لامعتان، وزعمت
بعض المصادر الأخرى أن رأسه كرأس الأفعى وكان مخنثاً، بينما وصفه آخرون بأن له
قرنان يكسوها الفرو المجعد.
يمثل (بعل زبوب) أحد الشياطين الذين بدأوا
حياتهم كإله للوثنية، حيث يُعتقد أن أول ظهور له كان في بلاد الرافدين على هيئة
الإله (بعل). يرمز اسم (بعل) إلى سيد الشعوب السامية القديمة، فقد اعتبر في ذلك
الوقت ”سيد الأماكن المرتفعة“، كما كان إله الخصوبة والطقس، بالإضافة لكونه
المسؤول عن رفاهية شعبه.
تشير إحدى النصوص التاريخية التي وجدت في
مدينة أوغاريت السورية القديمة أن الإله (بعل) قد طرد من المدينة لاعتقادهم أنه
يسبب الأمراض. في وقت لاحق، تم تحريف قدراته على قيادة الحشرات لتتخذ منحى أكثر
شراً.
على الرغم من اعتبار (بعل) إلهاً
للكثيرين، لكنه كان إلهاً للإسرائيليين، ربما لهذا السبب تم تحريف أصله، كما أن
مكانته قد ساعدت في تصنيفه كـ”أمير الشياطين“، اعترفت الكتب الإسرائيلية المقدسة
بأصوله الإلهية عبر إشارتهم إلى (بعل زبوب/بعل) باسم ”بعل زبوب، إله عقرون“، ولكن
ومع ذلك استمرت السمعة الشيطانية بملاحقة (بعل زبوب) في العهد القديم وكذلك في
التقليد المسيحي.
15. ظهر (أوردوج) بأشكال مختلفة، لكن هدفه الوحيد كان جمع النفوس
البشرية وإفسادها:
كان (أوردوج) شيطاناً مجرياً، في العصور
المسيحية أصبح (أوردوج) مرتبطاً بالشيطان، أما بالعودة للتقاليد الوثنية الهنغارية
فكان كل من (أوردوج) وروح أخرى تسمى (إيشتان) مسؤولان عن إنشاء العالم. تعني كلمة
(إيشتان) باللغة الهنغارية ”الإله“، وكان (إيشتان) هو المسيطر على النور والخير،
بينما كان (أوردوج) المسيطر على قوى الشر المظلمة.
كان شكل الشيطان (أوردوج) مشوهاً، حيث كان
جذعه كجذع الإنسان الذكر أما الجزء السفلي منه كان عنزة لها حوافر سوداء مشقوقة
وذيل متشعب، أما قضيبه فكان كبيراً بشكل لا يتناسب مع جسده، استلهم شكله من آلهة
الخصوبة الوثنية. عاش (أوردوج) في (بوكول) وهو الجحيم الهنغاري، حيث كان يقوم
بتخمير أرواح الأشخاص الملعونين داخل قدره الجهنمي الكبير.
لم يكن (أوردوج) راضٍ عن جلوسه في الجحيم
بانتظار الأرواح الكافرة للقدوم إليه، لذلك كان في كثير من الأحيان يخرج من عالمه
السفلي ويتجول في العالم البشري متنكراً بأشكال مختلفة للتمويه. بعض من الأشكال
المفضلة لدى (أوردوج) هي الثعلب الأسود أو الراعي ذو العيون الداكنة. في بعض
الأحيان كان يختبئ داخل جدران المباني، حيث لا يمكن لأحد ملاحظة وجوده إلا في حال
سماعهم لصوت ضحكته الشريرة، ومهما اختلفت الاشكال التي ظهر بها (أوردوج)، ظل هدفه
ثابتاً: العثور على الأرواح الفاسدة وتجميعها.
16. سنختتم قائمة الشياطين هذه بالشيطان الأساسي إبليس:
إبليس هو عدو الإله المسيحي والممثل
الرئيسي لجميع الأعمال الشريرة في العالم، فهو زعيم جميع الشياطين الأخرى. ومع
ذلك، طرأت الكثير من التطورات على فكرة أن إبليس هو زعيم جميع الشياطين الأخرى،
كما أنه خليط للكثير من التقاليد المختلفة والمتنوعة.
كان الشيطان قبل سقوطه من الجنة يعرف باسم
إبليس. في البداية، كان إبليس ملاكاً من ملائكة السماء، كان واحداً من بين ملائكة
(السارافيم) –مجموعة من الملائكة الموجودة في الأديان الإبراهيمية كاليهودية
والمسيحية–، أعلى رتبة من الملائكة. كان اسمه يعني ”حامل الضوء“، كما كان يعرف
أيضاً باسم ”نجمة الصباح“ بسبب ارتباطه بكوكب الزهرة.
ولكن بعد انضمامه لمجموعة من الملائكة
المتآمرين ضد الله، تم طرده من السماء إلى أعماق الأرض وسحب منه لقب حامل الضوء،
ومنذ ذلك اليوم أصبح يعرف باسم الشيطان عدو الله.
يعني اسم إبليس باللغة العبرية ”العدو أو
الخصم“، في البداية لم يكن الشيطان عدو الله، بل كانت مهمته الأساسية التجول في
الأرض باحثاً عن الكافرين الذين يرتكبون أفعالاً محرمة ثم يخبر الله عنهم،
بالإضافة لدوره في اختبار البشر. تغير دور الشيطان عند ظهور الديانة الزرادشتية
الفارسية، حيث اعتقدوا أن الشيء الذي دفع إبليس لمعارضة الله هو إيمانه بازدواجية
الخالق، أي أنه لم يؤمن بوحدانية الإله، وهكذا أصبح كل من يخالف الله يرمى خارج
السماء ويصبح تجسيداً للظلام والشر على الأرض على عكس إله الخير والنور.
إرسال تعليق