المرأة العربية بين الاختلاط والفراغ



الموقف من عمل المرأة لايزال تتجاذبه وجهات نظر مختلفة، بعضها يوغل في التشدد مما يستدعي من البعض أن يعود إلى البديهيات.

إن أي بيت من بيوتنا لايحتاج إلى عمل يزيد في تقديرنا على ثلاث ساعات يوميا، الغرف صغيرة والمساحات قليلة، والطعام يطهى سريعا، والمكنسة الكهربائية ليست صعبة المنال، والبيوت الكبيرة هناك من يساعد رباتها على العمل، والسؤال: ماذا تعمل المرأة خلال بقية ساعات اليوم؟.. هل تعود إلى "الشلتة" وتسمن وتتضخم، وتعاني الأمراض؟هل تجتر الأفكار وتقبع في انتظار "سي السيد" إلى أن يعود بقراطيس الفاكهة والبطيخة? لقد حل التليفون المشكلة، والسوبر ماركت، بل والبقال، يمكن أن يرسل كل ماتطلبه، وهي أيضا قادرة على شراء كل المستلزمات لأسبوع أو شهر في يوم واحد من السوبر ماركت وحفظ ذلك في الثلاجات ميسور.
ويتكلمون عن الاختلاط، وأثره السيئ، أيهما أسوأ: الاختلاط أم هذا الفراغ العريض؟، في تقديرنا أن قدرة المرأة على تنمية ذاتها، وهي وحدها، أمر مشكوك فيه خاصة أنها لم تعد تشارك في تنمية بلادها ومجتمعها، لابد وأن يتطرق إليها الملل والخمول، وتزداد ساعات نومها، وهي بذلك تفقد مالديها من قدرات، وما وهبها الله من ميزات ومامنحه إياها من مواهب، وسينعكس ذلك على تعاملها مع رب الأسرة والأبناء، ولن تتفرغ لهم كما يتصور البعض، بل ستربيهم بعقلية متخلفة.
وإذا كان من الواضح انحيازي لجانب من الجانبين، إلا أن النظرة المتوازنة لهما قد تثمر الكثير من الأفكار، ولنفترض جدلا أننا قد تنازلنا عن فكرة الاختلاط والعمل، وقبلنا أن تبقى المرأة في بيتها، ماهو السبيل لكي تنمي ذاتها وثقافتها؟ كيف نعاونها على ذلك من أجل ألا تتسع الفجوة بينها وبين الرجل، خاصة أنه يكتسب الكثير من خلال العمل والممارسة والخبرة؟
مما لاشك فيه أن أجهزة الإعلام ووسائل الثقافة يمكن أن نستثمرها بشكل جيد، بمعنى أنه لابد للمرأة ـ بمساعدة بعض الهيئات والمؤسسات والأفراد ـ أن تلقي نظرة على البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية، لتصنع لنفسها خطة الاستفادة منها على أقصى وجه، ماهي البرامج التي ترى أنها ضرورية? كيف تتابعها؟ كيف تستخلص احتياجاتها منها؟.. إنها وسيلة رائعة وممتعة.
وتأتي بعد ذلك المجلات والكتب، وبالذات دوائر المعارف، نحن لانريد مجرد القراءة، بل وضع منهج للقراءة له عدة أهداف: الأول: التعليم المستمر، أي أن تواصل ما درسته وتضيف إليه الجديد الذي أضيف منذ أنهت مرحلتها التعليمية، الثاني: التثقيف الذاتي أي القراءة في شتى أمور الحياة، بتعمق وليس بقصد قطع الوقت، الثالث: أن تواكب مايجري على الساحة العالمية من أحداث من خلال المجلات والصحف ونشرات الأخبار، وأن تناقش كل ذلك مع زوجها، وقريباتها، وصديقاتها، إننا بذلك نكون أمام إنسانة استطاعت أن تؤكد إنسانيتها وآدميتها، اللهم إلا إذا كنا دون أن ندري نحاول أن نئدها بالحياة داخل جدران البيت.
الحصار
ويبدو لي أن وأد البنات قد انحدر إلينا، واستقر في داخلنا، دون أن ندري، وذلك برغم تلك الصيحة البالغة الروعةسورة التكوير الآيتان 8-9وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت.. ولدينا الدليل القاطع على ذلك: هل حاول أب أن يتخلص أو يقتل ابنا له، لأن هذا الابن انحرف عن جادة الصواب؟ وأيقن الأب أنه مارس الحب، لا مع امرأة واحدة، بل مع العشرات؟، وهذا الأب نفسه، مستعد لأن يقتل ابنته لدى مجرد الشك في سلوكها، وقد ثبت أن كثيرات بريئات وفقدن حياتهن دون أن يفقدن عذريتهن، لكن الآباء لم ينتظروا ليعرفوا إذا ماكانت هذه "الموءدة" قد ارتكبت الخطيئة أم لا، أليس ذلك دليلا قاطعا على أن الرجل يرى هذه الخطيئة بمنظارين? إذا ارتكبها الشاب فقد يراها الأب مفخرة، وإذا ارتكبتها الفتاة صارت مجرمة? وفي تراثنا أشعار كثيرة وقصائد تهنئة لآباء فقدوا بناتهم، لأنهم بذلك ارتاحوا مما قد يلحقنه بهم من عار، لمجرد بقائهن على قيد الحياة، واحتمال ـ فقط احتمال ـ أن يخطر للبنت أن تخرج على التقاليد، فتقع في الحب، ولو كان عذريا، وإذا تقدم لها هذا الذي أحبته ليتزوج بها، رفضت القبيلة، لأنه من العار أن تقبله، وكأنما يفترض أن تتزوج من تكره.
هذه النظرة الدونية للبنت منذ ولادتها لابد وأن تثمر مخاطر كثيرة، إنها لاتتسبب في زرع الفضيلة في نفسها بقدر ماتزرع الرعب والخوف، وذلك دون شك قد ينتج عنه إنسانة غير قادرة على الحكم، وإبداء الرأي، واتخاذ القرار، إنها مهتزة كل همها في الحياة أن تثبت براءتها قبل أن تتهم، بل ودون اتهام، إنها تتصرف وسيف الفزع مصلت على رقبتها من جانب الأب والأم ومن جانب الأخوة البنين، بل إن بعضهم يتدخل بشكل سلطوي في أمور الأخوات البنات، حتى ولو كن أكبر سنا وأكثر تحررا فكريا، وربما أعقل، وأذكى، وأقوى خلقيا، بل إن بعضهم قد يكون طفلا ويحاول بالقهر التحكم في شقيقته مهددا إياها في كل لحظة بإبلاغ الأب والأم ـ ولو افتراء ـ بما يراه خارجا على التقاليد من وجهة نظره.
إذن الوأد ليس فقط دفن البنت حية، بشكل مادي، بل إن ذلك ممكن معنويا بدفنها داخل جدران البيت، والكل يتحكم فيها صغيرا وكبيرا، ماداموا من الذكور بينما هي مجرد "بنت" وبعض الآباء يشجعون البنين على ذلك، ويصورون لأنفهسم أن هذه رجولة مبكرة، بينما سوف يشب هؤلاء الأطفال جامدي الفكر، ومتحجرين، ولسوف تلقى منهم زوجاتهم مستقبلا ذات المعاملة، وبناتهم أيضا، إننا نخلق مستبدين صغارا، يحاولون أن يملوا آراءهم لمجرد أنهم "ذكور" وهم لم يختاروا لأنفسهم ذلك وما من حق لهم في السيطرة على أخواتهم، فما اخترن أنوثتهن.
ليست جسداً وحسب
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن نعيش على هذه الكرة وحدنا؟ هل نحيا في عزلة عن عالمنا؟
الدنيا تتقدم، وكل البلاد المتقدمة تتقدم بسرعة فائقة، معتمدة على ساقين: الرجل والمرأة، فلماذا نتصور نحن أننا قادرون على أن ننهض ونجري على ساق واحدة؟ هل نحجل إلى التقدم بساق واحدة؟
إن حبس المرأة في البيت بلا إنتاج إهدار لنصف طاقة المجتمع، وتبديد لقواه العاملة، إنها لن تكون عالة فحسب، بل إن عزلتها سترجع بها إلى الوراء، وأن تقبع في بيتها بانتظار "سي السيد" سيجعل منها فعلا مجرد متعة له، وآنية للأطفال.. إننا نريد نساء ينسين أنهن "نسوة" أنهن "نسوان" ولايذكرن إلا أنهن عاملات، مناضلات، مكافحات، في ميادين العلم والطب والهندسة وسيتقدمن، وسينجحن، ولن يقف في طريقهن أحد، إنهن متساويات مع الرجال، أما الأخريات فهن مجرد أجساد يغطينها ووجوه يخفينها: كل منهن تتصور أنها مارلين مونرو، وآلاف الرجال لايلقين بالا لنساء لا هم لهن إلا لفت النظر إلى أنوثتهن، بينما الرجال يريدون عاقلات ينمين عقولهن ويشحذن ذكاءهن، كما فعلت هدى شعراوي، وسيزا نبراوي واستر ويصا وسهير القلماوي وصفية المهندس، وأمينة السعيد، ونساء أخريات يحني الرجال رءوسهم لهن احتراما وتبجيلا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال