الفلسفة السوفسطائية: بروتاجوراس و جورجياس Protagoras et Gorgias
شكوكية بروتاجوراسProtagoras
ولد بروتاجوراس حوالي 500 ق.م في ابدرير،وهي المدينة التي وفد منها ديمقريطس، وزار أثينا مرتين ،وتروي رواية عنه أنه اضطهد لخروجه عن الدين ،ولكن الظاهر أن هذه الرواية بعيدة عن الصواب على الرغم أنه كتب كتابا أسماه "في الآلهة" بدأه هكذا "أما عن الآلهة فلست أراني على يقين من وجودهم أو عدم وجودهم،ولا من شكلهم كيف يكون، ذلك لأن ثمة أشياء كثيرة تعوق المعرفة اليقينية، وهي غموض الموضوع وقصر الحياة البشرية"ويصف لنا أفلاطون في محاورته "بروتاجوراس" زيارة بروتاجوراس الثانيةلأثينا ،وصفا مشوبا بشيء من السخرية، وهو يناقش آراءه مناقشة جادة في محاورة "تياتيتوس"فهو مشهور قبل كل شيء بمذهبه القائل "إن الإنسان مقياس كل شيء ،فهو مقياس أن الأشياء الموجودة موجودة ،وان الأشياء غير الموجودة غير موجودة " ويفسر هذا القول بأنه يعني أن كل إنسان هو مقياس الأشياء جميعا،فليس هناك حقيقة موضوعية يمكن الرجوع إليها،لتصويب المصيب وتخطيئ المخطئ،والمذهب في جوهره مذهب متشكك وهو في اغلب الظن مبني على خداع "الحواس".
لقد أنفق بروتاجوراس حياته يحاضر كلما مر من مدينة من مدن اليونان، ويعلم مقابل اجر كل من اراد لنفسه مهارة عملية وثقافة عقلية عليا .
شكوكية جورجياسGorgias
إن الكراهية التي تعرض لها السوفسطائيون ليس من قبل الناس فحسب، بل من أفلاطون وسائر الفلاسفة من بعده ترجع إلى حد ما إلى تفوقهم العقلي، إن البحث عن الحقيقة حين تصدر عن اخلاص تام، لا بد حينها أن يغض النظر عن الاعتبارات الخلقية. فليس في مستطاعنا أن نقدر مقدما أن الحقيقة التي نسعى من ورائها ستجيء مؤيدة لأهواء الناس في مجتمع معين، فكان السوفسطائيون على استعداد أن يتابعوا الحجاج حيث تسوقهم الحجة، وكثيرا ما ساقتهم الحجة إلى التشكك حتى ان أحدهم وهو جورجياس قال " ألا شيء موجود، وانه إن وجد شيء فليس هو بممكن المعرفة، وانه حتى لو فرضنا جدلا أن ثمة شيء موجود، وان شخصا ما أتيح له أن يعرفه، فيستحيل عليه ان ينقله إلى الآخرين" ولسنا ندري الآن ماذا كانت أدلته على رأيه هذا لكنني أستطيع ان أتصور أنها كانت أدلة قوية من الناحية المنطقية، الزمت معارضيه الزاما ان يحموا أنفسهم بدرع من الدعوة إلى الاصلاح.فقد رأى الأثينيون أن هذا المذهب الشكوكي خارج عن الأخلاق ، ففي الكتاب الأول من الجمهورية يحاج تراسيماكوس بانه لا معنى للعدل إلا مصلحة الاقوى، وأن القوانين تسنها الحكومات لمصلحتها، وأنه ليس هناك مقياس موضوعي يمكن اللجوء إليه إذا ما نشب صراع على السلطة، وكذلك اعتنق كاليكليز فيما يروي افلاطون في محاورة جورجياس مذهبا شبيها بهذا، إذ قال أن قانون الطبيعة هو قانون الأقوى ،لكن الناس أرادوا لأنفسهم راحة البال ،فأقاموا من النظم الاجتماعية ومن المبادئ الخلقية ما يشكم القوي . وإني لأرى أن هذه الآراء قد لقيت رواجا في عصرنا الحالي أكثر مما لقيته في العصر القديم. ويمكن ان نقول ان السوفسطائيون قد اصطنعوا مذهبا لم يكن في رايهم ذا صلة بالدين او الأخلاق،فقد كانوا يعلمون فن النقاش وكل ما عسى أن يعين على هذا الفن من ألوان المعرفة. وكانوا على استعداد ليعلموا تلامذتهم فن الدفاع عن آرائهم بغض النظر عن صحتها أو بطلانها لأن الغرض هو افحام الخصوم. لأن الحقيقة نسبية وليست مطلقة وأن مصدرها هو الإنسان لذا فهي تتغير تبعا لمصالحه وشهواته لذا أصبح حري بالفرد أن يجذب الغير إلى جانبه وأن يؤثر في أصحاب القرار بما تقتضيه مصلحته الخاصة.الكتاب الأول من الجمهورية لأفلاطون