-->

أثر الرضاعة الطبيعية على صحة الطفل

الحقيقة الواقعة التي يجب أن يقبلها العالم كله سواء أكان متطورا أم ناميا هو أن حليب ثدي الأم أفضل غذاء للطفل بكميته ونوعيته، فهو يوفر الوقاية من الأمراض المختلفة وخاصة الإسهالات، ويوطد العلاقة بين الأم وطفلها، ويوفر للأم منظما للفواصل بين مرات الحمل.

إن التشجيع على الإرضاع الطبيعي بدأ منذ السبعينيات عندما اكتشف أن الإرضاع عن طريق الزجاجة هو السبب الرئيسي لأمراض الإسهالات والجفاف، وحتى الوفيات عند الأطفال بالإضافة لعدد كبير من مشاكل الصحة لديهم كالإنتانات المعوية المتكررة، حيث تبين أن اللبن من الأم يعطي المناعة، وحليب الأم لا يحتاج إلى تحضير ولا يخشى من احتوائه على جراثيم، وتكون كثافة وتركيز الحليب وحرارته مضمونة إضافة إلى سهولة هضمه وذلك خلال ساعة ونصف إلى ساعتين، حيث تنفرغ المعدة بشكل كامل عكس حليب البقر الذي يحوي ذرة صعبة الهضم؟ وحليب الأم يعطي التعقيم والطهارة والمباعدة الطبيعية بين الوجبات والمجانية، ويعتبر حافزا للرابطة الوثيقة بين الأم ووليدها وكل هذه الصفات التي تميز حليب الأم جعلته يحتل المركز المرموق لإرضاع الطفل، وهو الاختيار الطبيعي والبيولوجي لتغذيته.
في عصرنا الحالي، ومع تطور الحضارة ظهرت بدائل الحليب بأشكال مختلفة، وبدأت الدعايات المتواصلة هنا وهناك تشجع الحليب الاصطناعي والزجاجة السحرية، إضافة إلى الدعايات في واجهات الصيدليات والعروض التجارية في وسائل الإعلام التي تدعو للترغيب بمختلف أنواع الحليب الاصطناعي تبعا لشركات متعددة وحجتهم أن هذا الحليب يزيد وزن الطفل بشكل طبيعي مع صور مرفقة بذلك، وهذا ينعكس على المرأة في مجتمعنا وخاصة أن نسبة الأمهات بينهن قد تجاوزت حدا كبيرا وهذا ما دعا إلى تقبل دعايات الحليب الاصطناعي واللجوء إليه والامتناع عن إرضاع الطفل من أثدائهن، إضافة إلى أن المرأة العصرية اعتقدت أن الإرضاع من الثدي عادة قديمة متخلفة تؤدي إلي تشوه الأثداء وتؤثر على الأناقة والجمال، وتنسى هذه النعمة الكبيرة التي يحتاج إليها الطفل، وعن طريق أفكارها الخاطئة تحرم طفلها من الحنان والفوائد الكثيرة المترتبة عن حليبها وتعرضه إلى مشاكل بالتغذية تؤثر على صحته مستقبلا.
منعكس الدرة
يتم جريان الحليب من خلاله الأقنية اللبنية بالثدي تحت تأثير آلية عصبية غدية، فحلمة الثدي، والهالة المحيطة بها مليئة بالأعصاب وعندما يأخذ الرضيع الحلمة ينبه هذه الأعصاب وتنتقل بالتالي المنبهات إلى ما تحت السرير وهذا بدوره ينبه الفص الأمامي والفص الخلفي للنخامي، حيث إن الفص الأمامي يقوم بإفراز البرولاكتين وهو الهرمون الأساسي لإدرار الحليب الذي يعمل على تحريض الحليب واستمراره، وفي نفس الوقت فإن الفص الخلفي يفرز هرمون الأوكسيتوسين الذي يؤدي إلى تقلص الخلايا العضلية لغدة الثدي وبالتالي دفع الحليب نحو الأقنية اللبنية. وعندما ينتظم منعكس الدرة تشعر الأم بنمل في الثديين عندما يقترب وقت الإرضاع أو عندما تسمع بكاء طفلها وقد تسيل عدة نقاط من الحليب من الثدي الثاني عند وضع الطفل على أحد الثديين.
الأثر النفسي للإرضاع المبكر
أثبتت دراسة عالمية - من خلال تجارب أجريت على مجموعة من الأطفال أعطي نصفهم بعد الولادة الماء والسكر لمدة 24 ساعة وبعدها أعطوا الثدي، والنصف الآخر من الأطفال أعطي لهم الثدي بعد الولادة بساعات قليلة - أن للساعات الأولى بعد الولادة أهمية كبيرة وفوائد مهمة من الناحية النفسية، وقد تبين من خلال الإحصاءات العديدة أن فصل الوليد عن أمه خلال الساعات الأولى بعد الولادة يؤدي إلى صعوبات لدى الأم من ناحية تعلقها بطفلها حيث يتأثر تصرف الأم تجاه وليدها في الأشهر القادمة وفي السنوات القادمة، وقد يكون امتناع الكثير من النساء عن الإرضاع في العمر الحالي وتمسكهن بالمعنى الحضاري المزيف والسخيف سببا من أسباب بداية تفكك الأسرة، وفقد العاطفة تجاه الآباء، هذا ما أثار التحريات عن أهمية العلاقة بين الأم ووليدها بعد الولادة مباشرة والبدء بالإرضاع من ثدييها مباشرة والاستمرار بذلك، وتعتبر رغبة الأم في الإرضاع المتكرر أمرا مهماً لزيادة إنتاج الحليب عكس الأم التي تنظر للإرضاع الطبيعي بشكل يثير عندها القلق والانزعاج، فهنا لا يتشكل منعكسا الدرة.
لقد أصبح من المسلم به أن صحة الطفل تتوقف بشكل كبير على وجود رابطة قوية وتعلق كاف بينه وبين أمه، ويعتبر منعكسا مص الحلمة في الساعات الأولى بعد الولادة مهماً لخلق مستويات حسية عن طريق لمس اليد والصوت وبكاء الطفل ورائحة الأم، وكل هذا يعتبر شيئا أساسيا لبناء الأسرة في المستقبل في ظل جو عائلي مترابط ومتفاهم.
إن العلاقة الوطيدة الناجمة بين الأم وابنها تنعكس بعدة أمور، فلو نظرنا إلى بكاء الرضيع لـوجدنا تدفق الحليب من ثدي أمه، كما أن مص الحلمة أثناء الإرضاع يؤدي إلى سعادة الطفل وإعطاء الراحة للام، بالإضافة إلى أنه يريد من إفراز الحليب فيحصل الطفل على الحليب المغذي الممتاز الذي يحتوي على المواد المناعية الضرورية التي تعطيه لقب الحليب المثالي، ولهذا فإن الاحتكاك المباشر بين الأم ووليدها أثناء الساعات الأولى أو حتى الدقائق الأولى بعد الولادة يزيد العلاقة بينهما وبالتالي يؤدي لنجاح الإرضاع الطبيعي. ومع الأسف هناك بعض المشافي الحديثة التي تفصل الأمهات عن أطفالهن بعد الولادة، مما يؤدي إلى عدم تماس الأم مع ولدها في تلك الفترة الحرجة ذات الأهمية الكبيرة للأم التي ستقدم العناية للطفل.
الخواص المناعية لحليب الأم
يحتوي حليـب الأم على جملة مناعية مهمة، وكذلك اللب، وهو سائل أصفر كثيف ولزج وغني بالمواد الأحينية والأملاح والفيتامينات، وغنى بالأجسام الضدية الممنعة، ويعمل على دفع العقى من أمعاء الوليد. ولا بد من أخذ فكرة عن المناعة وآلية حدوثها:
- تحصل المناعة في الجسم بوسائل عديدة عنها البلعمة، والغلوبولينات المناعية، والمناعة الخلوية والمتممة، ووسائل أخرى:
- تقوم بالبلعمة كثيرات النوى المعتدلة ووحيدات النوى التي تقترب من الجراثيم وتلتصق بها وتغلف غشاءها حول الجراثيم وتقتلها، وأي خلل في أي مرحلة من مراحل البلعمة يكون سببا لأمراض عديدة تعرض المريض لإنتانات متكررة، ويحتوي حليب الأم على عدد كبير من هذه الخلايا، وهي من نوع البالعات وتشكل وحيدت النوى 80 - 90 % من الخلايا والباقي من اللمفاويات وهي نوعان B و T
- يمكن للبالعات الموجودة في حليب الأم أن تلعب دورا في الوقاية من مرض التهاب الأمعاء والقولون النخري، وهذا المرض يلاحظ في الولدان ذوي الوزن المنخفض وعند الخدج، ويكثر حدوثه عند الأطفال الذين يرضعون زجاجة الحليب الاصطناعي.
- إن وجود اللمفاويات في حليب الأم والدفاع يفسر نقص نسبة الإصابة بالتهاب السحايا بالقولونيات عند الولدان الذين يرضعون من حليب الأم.
- إن الإجراءات على الحليب مثل التجميد والالتصاق بالزجاجة يجعل الحليب خاليا من العناصر الخلوية وخاصة البالعات، كما أن التعقيم والبسترة يغيران من تركيب الغلوبولينات المناعية وهذا التغير في الخواص المناعية يؤهب الفرص لحدوث التلوث والأمراض.
- إن اللمفاويات الموجودة في حليب الأم تنتج الأنترفيرون وهو مجموعة من البروتينات الذوابة التي تنتجها الخلايا التي هوجمت من قبل الفيروسات والتي تقوم بتنبيه خلايا أخرى لإنتاج البروتينات التي تمنع تكاثر الفيروسات، كما أن اللمفاويات تقوم بتصنيع المتممة 3C والغلوبولين المناعي IgA، وهذه الأجسام الضدية الأخيرة متوافرة بشكل كبير في اللب والحليب.
- يحوي الحليب أيضا الليزوزيم وهي خميرة لها صفات مضادة للجراثيم، كما أن اللاكتوفيرين هو بروتين مضاد للجراثيم أيضا وبضبط الحديد.
- وهناك الأجسام الضدية التي توجد في اللب والمصل - حيث إن IgA يوجد في اللب - تحوي أجساما ضدية لحمات شلل الأطفال الثلاثة الموجودة في اللقاح، على حين أن الأجسام الضدية في مصل الأم هي من نوع IgA و IgM .