مذهب الحتمية ومبدأ اللايقين
![]() |
مذهب الحتمية ومبدأ اللايقين |
وتبدو الحتمية في هذه الحالة واضحة نوعا ما، لكن لابلاس يمضي أبعد من ذلك، مفترضا أن ثمة قوانين مشابهة تحكم كل شيء آخر بما فيه سلوك الإنسان.فلا يمكن حدوث أشياء خارج منطق قوانين الطبيعة فالكون كلّه يتحرك ضمن نظام دقيق بموجب قانون العلّية . وهذا النظام يجري ضمن حلقات متسلسلة ، كلّ حلقة منها ترتبط بالحلقة السابقة واللاحقة . ضمن نظام حتمي لا يمكن أن يتغير ولا يمكن أن يتخلف، ولا يمكن أن تتدخل فيه إرادة أي أحد. مذهب الحتمية العلمية قاومه الكثيرون وبشدة، خصوصا أولئك الذين يعتقدون، أنه يتعدى على الحرية الإلهية في التدخل في الكون، رغم ذلك ظل هذا المذهب هو الفرض العلمي القياسي السائد حتى السنوات الأولى من هذا القرن، لكن سنة 1926 عندما قام فرنز هايزنبرغ Heisenberg بصياغة مبدئه الشهير لعدم اليقين تغير كل شيء.
مبدأ اللايقين لهايزنبيرغ Heisenberg
وهذا الكم المستخدم سيجعل الجسيم يضطرب، ويغير من سرعته بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، وفوق ذلك فكلما زادت الدقة التي يقاس بها الموضع قَصُر طول موجة الضوء، الذي نحتاجه وبالتالي ستزداد طاقة الكم المفرد، وهكذا فإن سرعة الجسيم ستضطرب بقدر أكبر. وبعبارة أخرى أكثر بساطة، كلما زادت محاولتنا لقياس موضع جسيم قلت الدقة التي نقيس بها سرعته والعكس بالعكس.
وبين هايزنبرغ كذلك بأن عدم اليقين في موضع الجسيم مضروب في عدم اليقين في سرعته مضروب في كتله لا يمكن أن يكون أصغر من قدر معين يعرف حاليا بثابت بلانك"هو ثابت فيزيائي له الرمز h وهو يستخدم لوصف الكوانتا "أصغر مقدار للطاقة"
![]() |
ثابت بلانك |
فمبدأ عدم اليقين له دلالات عميقة بالنسبة للطريقة التي نرى بها العالم، وحتى بعد أكثر من ثمانين عاما فإن العلماء والفلاسفة لم يقدروا هذه الدلالات حق قدرها وهي مازالت موضع الكثير من الخلاف، لكن المهم عندنا أن مبدأ اللايقين قد سطر نهاية بئيسة لحلم لابلاس بحتمية علمية شاملة، أو كون يشبه ساعة يمكن تفكيك أجزائها و تحديد حركات عقاربها بدقة متناهية في أي وقت من الزمن، فمن المؤكد أننا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل بالضبط ما دمنا لا نستطيع قياس الوضع الحالي للكون وقد أدى هذا الوضع الجديد بهايزنبرغ، وشرودنغر، وبول ديراك وغيرهم بإعادة صياغة ميكانيكا الكم على أساس مبدأ اللايقين فالجسيمات لم يعد لها مواضع وسرعات منفصلة واضحة يمكن ملاحظتها وقياسها بل مجرد توليفة كمية من الموضع والسرعة.